السبت، فبراير 14، 2009

من نزيف القلم ......مخاض الألم


مضت سيارة الإسعاف سريعة مدويّة بصوتها الذي كسر حاجز الصمت المُخيّم على المدينة وبضوئه الأحمر الذي بدا وحده من أقصى الشارع المظلم ، وصلت السيارة اإلى أعتاب مستشفى المدينة ، أنَزَلُوها من السيارة ووضعوها على سرير وقام ثلاثة أطباءٍ بسحبه في ممرات المستشفى ،حين كان يهرول ورائهم زوجها قلقاً .
كانت الأقسام التي تستقبل الحالات الطارئة هي وحدها المُضيئة في مستشفى المدينة الرئيس ، كان وجهها يتصبّب عرقاً وشفتها السفلى قد اهترأت من كثرة ما عضت عليها من شدة الألم ،تود أن تصرخَ من ألم المخاض صرخةً تَهزُّ أركان المستشفى ولكنها خجلت من أن تخترقَ الهدوء الذي خيَّم على المكان ، شَعََرَت أن ممراتها أطول من أن تكون بالكيلومترات ،واساها صوت زوجها( الذي كان يريد من يواسيه ) ،:تحملي عزيزتي ها قد وصلنا لم يتبق إلا القليل .
نُقلت من السرير المتحرك إلى سرير غرفة الولادة ، وأُغلق الباب عليها بعدما قالت لها الممرضة أن تنتظر قليلاً حتى تأتي الطبيبة المُختصَّة ، هزَّت برأسها ، شدَّت غطاء السرير وضغطت عليه بأصابعها الرقيقة بعدما أسدلت على وجنتيها دموع ...........
كانت لا تزال تحتبس الصراخ في حنجرتها ، أخذت تعد الثواني سنون ، تُتَمتِم بشفتيها :يا رب يا رب امنحني القوة يا رب .
فُتح الباب المُغلق ودخلت الطبيبة ، اقتربت منها ومسحت على رأسها : لم يتبقَّ إلا القليل لتصبحي أم .ابتسمت رغم الألم ملاطفةً للطبية ، احتدَّ الوضع ،لم تعد قادرةً على التحمَّل ، أعدَّت الطبيبة أدواتها ولكنها شعرت بسوء حالة المرأة ، وصلت لها جميع الأجهزة اللازمة ،يبدو أن الولادة صعبة ،قامت باستدعاء ممرضتين ، هرولتا إلى غرفة الولادة ، لبستا كمامتيهما واستعدتا ولكن .......ولكن بعدما استعدتا ............ .
توقَّفت الأجهزة عن العمل وانطفأت أضواء الغرفة .......لقد انقطعت الكهرباء .
شعرت هي بالاختناق وزاد الألم ، يبدو أنَّ موعد الولادة قد حان . لم تكن الطبيبة تدري ماذا تفعل ،انفعلت وخرجت تلتمس حلاً بعيداً عن عيون المرأة التي تحمل ملايين الأسئلة .
أما هي فنظرت إلى النافذةِ الزجاجيةِ الشفافة ، كان الفجر على بزوغ ، رأت نوراً يأتي من أقصى نقطةٍ تراها يشقُّ الظلام ، أسدلت جفنيها على عينيها وبكل قوة ولَّدها الألم بداخلها ، وبكل الألم الذي احتبسته في حنجرتها صرخت باسم جنينها (نووووووور ) حتى نزل طفلها من ظلام رحم أمه إلى ظلام (غزة ) حاملً اسم نور ، بكى الطفل أول بكاءٍ له فرَخَت هي أصابعها المشدودة على غطاء السرير ، أغمضت عينيها ونامت نومةً طوييييلة . لتترك نور في الظَّلام يتيما ً .


قبل الحرب كنت أُجالس شمعتي وقلمي وبدأ هو ينزف ليكتب من دمه هذه الكلمات ، أحمد الله انني يومها انتهيت من كتابتها قبل أن تنتهي شمعتي لتلك الليلة المظلمة ، وأترك لكم التعليق !

هناك 10 تعليقات:

غير معرف يقول...

قصة مؤلمة ورائعة واكيد تصور الوضع في غزة المحاصرة
بارك الله فيكِ وجزاكِ كل خير

عربي نيوز يقول...

السلام عليكم
ما أجمل كلماتك أخت سجود
أحسست بنبضها يخفق بأعماق قلبي
همس كلماتك تعايش وتواسي غزة وتصف حال غزة الحزين وليل غزة المظلم ونساء غزة المكلومات على حالهن ومواليد غزة الذين لم يروا الا الظلام في طريقهم الى هذا العالم...
في ايام الحرب كان مجموعة من المرابطين يرابطون في قلب غزة ولحظات أصوات من الصراخ .. إمراة حامل ،، م لبث المجاهدون دقيقة حتى جاؤوا بسيارة وأوصلوها الى المستشفى والحمدلله
جاء طفل الى غزة ليقف مع اهلها في حصارهم وفي نكبتهم

لا يسعني الا التعليق ان شمعتك ربما تنطفئ في أي وقت، لكن شمعة كبريائك وكرامتك وعزتك لا تنطفئ ولا يقدر احد على اطفائها..لانك ببساطة غزاوية من غزة تهتفين ،، وكل غزة شموعها لا تنطفئ
دمتي بود وبخير ..

لا تنسوا اخوانكم في غزة من دعائكم

||..بحــر الدموع..||

إشراقة أون لاين يقول...

قصة رائعة ابكت عينى
ربنا يعينكم ويثبتكم وينصركم
وملاحظة أختى سجود إذا كنت تعانون من الحصار فنحن نعانى من حصار الصمت
مرة ثانية بارك الله فيكى
أخيكى محمد
آملا التواصل

سجود يقول...

شكرا اختي فداء
(بحر الدموع ) شمعتنا جميعا لن تنطفىء ان شاء الله ، وبعدين بالفعل المرابطين جزاهم الله كل خير كانوا رائعين

(اشراقة اون لاين ) ندعو الله ان يفك حصاركم بمصر يارب

جذور الأمل يقول...

خاطرة رقيقة جداً أختي الحبيبة وهي مؤلمة تخرج من رحم المعاناة التي نعيش ،وماهذا إلا غيض من فيض أعاننا الله وجميع المسلمين وخاصة في غزة العزة صانعة المستحيل0
وأدام الله ظلَّ قلمك الطاهر كي يكشف الحقيقة عما يحدث على أشرف بقع الأرض0

ghorBty يقول...

لا اٍله اٍلا الله

مؤلم جدا ما كتبتي ولكن رحمة الله واسعه

ذهبت الام شهيده وتركت الوليده نور فما احلي اسمها

والله نور القلب افضل بكثير من نور العين

فكثير من هم متنعمون وعايشين في النور ولكن قلوبهم مظلمه بعيده عن الله

وانتم حفظكم الله قلوبكم مضيئه فستبشروا فالفجر قادم لا محاله

اسمك جميل ما شاء الله

غربتي

سجود يقول...

"غربتي "
القصة قاسية لان الشمعة التي صحبتني بالكتابة كانت اقسى
ارجو ان يجعلنا الله من اصحاب القلوب النيرة
وان شاء ربنا بيجمعنا بالجنة جميعا

حياتى نغم يقول...

السلام عليكم / ما شاء الله عليكى يا سجود لقد جعلتينى أشعر بآلا مها ومحنتها وكنت متوتره على طول التدوينه ، يارب يكون عوناً لكم ويبارك فيكم ويرحم موتاكم وموتانا ويارب ينصركم ويثبتكم آمين ، قال تعالى { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } دمتم فى أمان الله .

غير معرف يقول...

السلام عليكم
جزاكم الله خير
المدونه مفيد جدا
نتمنى المزيد



اختكم
عاشقة الشهاده

الحرية للقوقا يقول...

كلمات تجسد واقع الفرحة ولكن الحزن يخيم عليها ..
ما اروع الفكرة عندما تجسد بعقلك ، وما اجملها عندما تخط بقلمك ، ويالها من كلمات عندما تقرأ ..

سجود دعائك لنا