الثلاثاء، ديسمبر 27، 2011

الذاكرة تصارع شبح النسيان..


وفاءً للذكرى التي تخشى شبح النسيان..
وفاءً للألم الذي مازال ينخر في العظم نخراً ..
وفاءً للدماء القانية التي قطعت على نفسها عهداً ألّا تجف ..
وفاءً للآه التي كُتمت في الحناجر.. احتفاظاً بالنفس للوجع  ..
وفاءً للدمع الذي اتخذ على الخد مجرى ..
وفاءً لكل من كان هنا وقت الفاجعة كان عليّ أن أكتب ..

أكتب عن الفراق .أقسى ما تركته الحرب  خلفها ..

اليوم سيجلس من تبقى من أطفال (السموني) في حلقة مستديرة  في إحدى الغرف التي  أبقاها الجنود قائمة ليساعدوا الذاكرة على تعذيب هؤلاء ،سيصمتون كثيراً قبل أن تبدأ منى بسرد القصة : "كنت مع إخوتي بالقرب من أبي حينما جاؤوا الجنود،كانت أمي تعد لنا آخر ما تبقى من طعام في البيت ..اقتحموا البيت ..كسروا بابه ،-تشير إلى الخارج -من هنا جاؤوا مُصوبين السلاح نحونا ، أطلقوا النار  على الجميع بشكل عشوائي ..لم يأبهوا لصراخنا  ..حمقى رصاصاتهم التي أصابت كل من حولي وأخطأتني "،وتصْمت ..

سيأخذ أحمد دوره في الحديث : حبسونا في غرفة واحدة لعشرة أيام قالوا لنا :"لا تخرجوا حتى نأذن لكم" ،أخذوا الرجال جميعا وتركونا والنساء اللواتي أخطأهن الرصاص في الاقتحام الأول ، في غرفة معزولة..نفذ الماء ..كان علينا ان نملأ من دموعنا أكواباً ونشرب ..
ولكن صوت الجنود يسخرون من صراخ آبائنا حين يطلقون عليهم الرصاص جفّف الدمع في مآقينا ..
سيصمت أحمد هو الآخر ليسبح مع منى حيث سبحت ،،يكملون القصة مع أنفسهم ..كي يصلوا إلى قمة الألم وحدهم دون أن يشاركهم أحد .. 

ايمان التي لبست اليوم قميصها المخضب بدماء والدتها وشقيقتيها والذي ترفض غسله ،لن تتفوه بكلمة واحدة، ستترك المجال للقميص كي يتحدث وحده ..
بعد قليل ينهضون ، يقطفون الورد الأبيض من أرض تحدت العقم وأنجبت زهرا ..ويتوجهون إلى مقبرة العائلة ، يضعون الزهر بجانب القبر ، ويحكون للشهداء قصة الحياة المريرة بعدهم ..

اليوم سيتذكر خليل أن يوما ما كان له أقدام وأيدٍ، وسيتذكر كيف استيقظ فوجد أنه يمتلك نصف جسد وأودع أهله النصف الثاني على مرآه التراب ،" هل يكون التراب أميناً عليهم !"، سيبكي والدمع المالح سيعذب خديه لأنه لن يستطيع أن يمسح دمعه ..
اليوم نتذكر كيف صرخنا ..وصرخنا ثم صمتنا ، لأننا لم ننل من الصراخ نجدة ، فقط بُحّ صوتنا ..!
سنتذوق مرارة عقوق الأخوة ..ولكن لن نقف هنا كثيراً ..ربما لأن الحرب علّمتنا أن لا أخ لنا في النائبات ..

فقط كنت أريد أن أساعد في تخليد الذكرى ،كي انام اليوم مطمئنة،هي أمانة قد أديتها هنا
أعتذر لك يا نفسي لأنني لم أبح هنا بكل ما اشتهيتِ أن يُكتب 
ولكن هذا ما استطعت أن أكتبه



هنا كتبت سجود في الذكرى الثالثة للحرب على غزة 

السبت، أكتوبر 29، 2011

هَلْ تَغْفِرُ لِي ... أوْ أَغْفِر ..!



قبل ثلاثين عاماً ... بعدما كبّلوني بسلاسل حديدية ثقيلة وربطوا على عينيّ العصبة ، وبعد محاكمة على طرازهم حُكم عليّ فيها بأربع وعشرين مؤبداً ، ساقوني إلى غرفة مظلمة ، عارية ، موحشة ...أنا ابن الاثنين وعشرين ربيعا ،أنا الذي لم أرَ في دنياي إلا الحنان عليّ ، أنا أعيش في هذه الغرفة القاسية أربعة عشر مؤبداً ، يا لسفاهة اليهود ، إن كان المؤبد سبعة وعشرين عاماً ، فيكفي مؤبدين أو ثلاث لأكون نزيل سجونهم طيلة عمري ، وعندها سأطلب منهم أن يحفروا لي قبري في نفس الزنزانة ، إنهم لغيظهم يزيدون في عدد المؤبدات ليضغطوا عليّ ويحطموا نفسيتي ، ولكنني كنت يومها بارد الأعصاب بشكل استغربته من نفسي ، قلت للسجان : ماذا لو جعلوها عشرين مؤبدا مثلاً! ثمّ إن رقم عشرين أفضل من أربعة عشر ، فازداد السجان غيظاً فوق غيظه ..

أدخلوني أنا صاحب الأظافر الناعمة إلى غرفة قذرة ، وكثيرا ما ضربت أمي بي الأمثال في النظافة ،حصير متعفنة .. يكفي ، بذخٌ أن أفكر في أكثر من ذلك ..
مرّت الأيام ... كل يوم أحاول التأقلم على هذا الصديق القذر الجميل ، وعندما أشعر بالاختناق أذهب بذاكرتي إلى ذلك المشهد : يوم قتلت منهم ما يربو عن ثلاثين لعيناً ، في حافلة الجنود المتجهة إلى "إيلات" ، فيتلاشى اختناقي عندما أستذكر صوت صراخهم ، لكني لست وحشاً كي أستلذ على صراخ بشر آخرين ، كل ما في الموضوع أنني رفضت أن أجلس كالرزايا وبيتي يُسرق وأختي تُغتصب في قعر بيتنا ، كان عليّ أن أنتقم -على الأقل - لأجل الله الذي حرقوا كتابه أمامي ، لقد كانوا قوماً بلا دين ..


قلّبت الثلاثين عاماً وأنا أنظر إلى شبابي الذي التهمته الجدران الأربعة ، لم أحاسبها يوما على ما فعلته ، بل زينتها ، رسمت على جدرانها بيتي الذي أحلم أن أعود له ، رسمت شجراً وعَلَمَاً له ألوان أربعة ، رسمت عيون أمي وجدائل أختي ، كفيّ أبي تقطف الزيتون ،،..، ورسمت بيتا آخر تبدو من نافذته امرأة بعينين عسليتين واسعتين ترقبني أعود كنت قد تركتها عروس في رحمها طفل لي ، وطفلاً يحبو وينطق أولى حروف اسمي وكتبت تحته "إنها عائلتي " ، وجدار أفردته لخارطة أرضٍ أعشقها وحددت عليه يافا والقدس و "إيلات" ،، الأولى حيث بيتي والثانية حلمي ، أما الثالثة ففيها مجدي ..


ورسمت مكاناً لي في الجنة ، واعتذرت للجنة إذ رسمتها على جدران قذرة ولكنها سامحتني فهي تقبل النظيف من الأفكار..


كنت أنظر إلى شعاع شمسٍ يتسلل خفية إلى الزنزانة كل صباح ، فأفكّر :هل ما زالت الشمس تشرق ، وإن كانت تفعل فهل لا زال قرصها كبير مدوّر أم أنها استحالت إلى خيوط ضعيفة تتسلل إلى غرف السجناء مثلي ؟ يا ترى هل إن رأتني ستتعرف ملامحي ؟ صحيحٌ أن جسدي صار نحيلاً ووجهي شاحباً وأصبحت أحمل من الأعوام ما ستتعجب هي إن عرفته ، ولكنني ما زلت أنا صديقها الذي كان يستيقظ قبل شروقها يستعد لترحيبها ،، فهل تذكره ؟!


سجني .. يعني أنني ازدت قُرباً من الله .. ومن فلسطين ، شعرت بقوة الله تحميني ، غمرني إيمان بما فعلت ، هوّن عليّ يقيني بعدل الله ظلم السجن وظلامه ، كنت دائما أناجيه ، وحده يستطيع أن يسمعني في ذلك المكان المعزول ، فأشعر بردّه عليّ بسكينة تغشاني .. كم تعلمت في تلك الغرفة الصغيرة أنّ الله كبير ..

اليوم أنظر إلى المرآة ، وألوم جدران السجن بصوت أمي : أنا أعطيتك ابني شاباً وسيماً أسود الشعر واسع العينين ، عريض الأكتاف ، طويل القامة ، انظري ماذا حلّ به ،، الشيب غزا شعره ولحيته التي أطلقها ، اضيقّت عيناه التي كانت راحتي ، انحنى ظهره ، شحب وجهه ،،،، إنه ليس ابني الشاب الذي زوجته من أجمل بنات يافا لقد غدا كهلا بأعوامه الخمسين ..

بعد ثلاثين عاماً ، اكون قضيت مؤبدا واحدا ،، وبقي ثلاثة عشر مؤبدا إلا ثلاثة أعوام .. ليس مهمّا ، وهبتُ هذا العمر لله كما وهبت النفس قبله ، أظن انهم سيحتفظون بجثتي في تابوت في قبر أسفل أرضية زنزانتي حتى أقضي مؤبداتهم كلها ، ثم يعيدوا بالتابوت لأهلي ليدفنوه في أرضهم .. ولكن قبل الممات دعوني أنظر إلى عينيّ أمي التي كنت أنا بكرها ، دعوني أُقبّل يديها ووجنتيها ، دعوني ولو لمرة أن أبكي أنا الكهل في حضنها وأقول لها :" ماما .. لن أزعجك بعد اليوم " ...
دعوني انظر إلى عيني زوجتي ، وألتمس منهما السماح ، "تركتكِ فتاة رقيقة ، جميلة ، لم تكملي العامين عندي بعد ، وتركت طفلا في أحشائك ، كم هي كبيرة أمانتك !، وكم هي ثقيلة مهمتك التي ألقيتها بغيابي على عاتقك !،، سامحيني .. فقط سامحيني"..

اليوم وبعد ثلاثين عاماً يطرق باب زنزانتي ذلك السجان القصير ، صاحب الوجه الأنمش ، يبدو أنه من يهود أوروبا ، ذاك الرجل الذي لم يكن يأتيني إلا بأسوأ الأخبار ، يطرق الآن في هذا الصباح المبكر زنزانتي ، أنتظر أن يفتح فمه الكبير كمغارة وينطق الأمر الذي ساقه إليّ ... قال بلغته العربية المكسرة :" اللعنة على مقاومتكم ،، اللعنة على من يدافعون عنكم " ،
نظرت في وجهه الأبيض الذي أحاله الغضب إلى الاحمرار ، وقلت مستهزئاً : وما الذي يذكرك بمن يدافعون عني في هذا الصباح الرائق ؟ ، أكمل بنفس الحدة :" بل اللعنة عليك أنت "
قلت بهدوء علمني إياه السجن :" هدّئ من روعك .. إياك أن تنفجر وتتطاير حممك في زنزانتي ، سيحكمونني ثلاث مؤبدات أخرى بتهمة تفجيرك " وعلا صوت ضحكي الساخر ..
قال : أنت وأمثالك كنتم سبب تأخير صفقة الإفراج عن جندينا المأخوذ ظلما لدى مقاومتكم اللعينة ، التي تأسر الأبرياء بلا وجه حق ، دولتنا العبرية ترفض خروجك وأمثالك الذين تلطخت أيديهم بالدماء البريئة ، لأنكم سبب الفساد والإرهاب في العالم ، بينما قياداتكم الإرهابية تصمم على خروجكم بصفتكم مجدها ، إنكم لإرهابيون حقاً .... " ثم اخذ نفسا عميقا بعد المهمة الصعبة التي نفذها أمامي ..، كنت وقتها أستمع إليه بابتسامة رُسمت على شفتي ، وبعدما انتهى قلت :" إذا يا حاييم .. هذا ليس كلام جديد أنا أعرفه ،، فما خطبك اليوم .. قل ما لديك ودعني لصلاتي ، وقت صلاة الضحى بدأ يمضي "
قال غير مُكترث لكلامي وقد ازداد حنقاً لهدوئي :"جئت اخبرك أننا أخيرا سنحصل على بطلنا المأسور لدى أصدقائك المجرمين ، فاوضنا كثيراً لنستعيده "


قلت مستغرباً:" وما ذنبي أنا لتعكر عليّ صباحي ،، ولمَ انت غَضِب !، (بطلكم) سيخرج لكم "


قال بنفس الغضب وقد خفت وقتها لأن ينفجر حقاً :" جئتك لأنك واحد من الألف أسير الذي سيخرجون في الصفقة "
قال كلماته الأخيرة ومضى طارقاَ ورائه باب الزنزانة ،، مضى وتركني ورائه كتلة متجمدة رغم قيظ الصيف ، تشنج جسدي كله وهوى ، فحملته ركبتيّ اللتان استندتا للأرض ..


جال بخاطري كل شيء . يافا ، إيلات وجنودها القتلى ، حضن أمي ، عيني زوجتي ، أبي الذي شاخ ، طفلي ، فلسطين ...
استعدت قواي، بدأت أستوعب الأمر ، وقفت صارخاً:" سأكون حراً ، سأكون حراً ، بلا قيود ، بلا سلاسل ، سأرى قرص الشمس المدور كل صباح ، أنا حر .."


عندما توقفت عن الصراخ وجدت وجهي يقابل تلك المرآة الصغيرة التي علقتها على جدار الزنزانة لأرى كيف تعبث الأيام بشكلي ، وإذ بي أرى رجلاً كهلاً غزى شعره الشيب ..






استغرقت طويلا وأنا انظر على الشيخ الهرم أمامي في المرآة ، وجال في خاطري "كيف يستقبلونني" ، نعم ..أهلي الذين منعوهم من زيارتي منذ أكثر من عقد ، كيف يستقبلون ابنهم الشاب ،أقصد الذي ودّعوه شاباَ ..
أقسى ما سألقاه ... عيني زوجتي ، سأقف خجِلاً أمام انتظارها ، ولا شيء حسب ما علمت أصعب من انتظار من لن يعود ، سأطلب منها أن تسامحني على شعرها الذي شاب مقدمته ، ووجهها الذي علته بعض التجاعيد ، وسأتوسل لها أن تغفر لي سهرها وما خلّفه من سمارٍ تحت عينيها .. سأبكي بين يديها ، سأجهش ..
أما هذا فلا أظنه أقل قسوة من ذاك .. سأرى ولدي الذي غدا أباً لطفلين .. سحقا! أصبح أباً دون أن يشعر يوماً بطعم الأبوة ، بحنان الأبوة ، بقسوة الأبوة .. لن ادري هل تحملني قدماي وقت أن أراه ...
هل يسأل أمه في ساحة المنتظرين :"أي من هؤلاء القادمين نحونا هو أبي ؟" ، وكم هي الحسرة التي ستاكل قلبي وقتها لو سأل ..
سأراه يتفرّس في وجوه المحررين ، يسأل نفسه .. أيُّهم أبي ، أيُّ مرارةٍ تلك التي يغرق في بحارها قلبي ..!
كيف أحتضنه وأقول له (ولدي) .. هل يصفح لي هو الآخر ..
أم سيسألني بقسوة والدمعة تحبسها عيناه .." هل تعرفني ..!!" ،وهل تقنعه إجابتي " رسمتك بجانبي .. كبرت معي في زنزانتي من الميلاد حتى الزواج" ..!
لا بأس..ليكن ما يكون
لأحزم أمتعتي ، وأترك جدران زنزانتي لسجين آخر ، هي قدره ..

الأقدار .. إنها الأقدار ـــــــ وكفى .


الأحد، أغسطس 28، 2011

وَنَطَق ..






أشهد أن قلمي لم يكن يوماً عقيماً ، ولن يعقم – إلا أن يشاء ربي -  ولكنّي لا أدري –لحظّي أو لتعسي – أسقطت عليه الإنسانية حين انتزعها عن جلودهم كثير ممن خلقهم الله بشراً ، فباتوا يسيرون عراة ، فبعض القماش لا يستر عورة من خلع لباس التقوى.....، وليست الإنسانية ببعيد عن ما أمر به الذكر الحكيم أو نهى عنه ، بل لعلّهما يفضيان لمعنىً واحد .. فيتوقف على أعتاب صفحة بيضاء ، خَجِلاً  من ذلك الفراغ الذي اُعدّ له ، فيلقي كل أعذاره مُتكئاً على الحاشية ، يُوَسوَس له باتّباع طريق كثيرٍ من الأقلام التي أُضلّت فَغَوَت ، وانتفشت فَعَلَت ، ولكنه انتفاش الورم ...، أو يقولون :" لعمرك إنك هرمت والاستقالة حقٌّ لك " ، يستعيذ قلمي من شر كل وسواس خناس ، ويمسح على رأسه الذي اشتعل شيباَ مُتَمْتِمَاً ببعض الكلمات ، ربّما كان يرقي نفسه ...
صمت قلمي إما مدهوشاً أو مُحتَجّاً أو حزيناً ، برغم قربي الشديد منه إلا أنه آثر بأن يحتفظ بالسبب لنفسه ..
صمت قلمي ولكن الضمير فيه أبداً لم يمت ، فكل الصور التي تَرتسم أمام عينيه تستنطقه ، كل الأصوات التي تصل إلى أذنيه تستنهضه ،
يا إلــــهي ...! ، جُلُّ الذين ابتلاهم  الله – عز وجل -  بألّا ينطقوا ، رحمهم بأن جعلهم لا يسمعون ، فأيّ مصابٍ جَلَل أصبت به يا قلمي ..
إنّه – بشموخه – يترجل في هذه التدوينة عن مقعده في الحاشية ويرمي عكازه جانباً ، يربط العصبة على رأسه نازلاً لأسطر الصفحة المتراصة المنتظرة نطقه ، مستحضراً نيّة الجهاد ، بل ومقسماً على أن يقول الحق ، ولا شيء سوى الحق ، مُرتدياً إنسانيته ؛ كي لا يكون جائراً.
سيحدثكم قلمي رافعاَ رأسَه بأناس ٍ لم يسمع عنهم إلا خبراً فاحترمهم ونطق لأجلهم ، بل لأجل  الحق .

يُخَيّل إليه ذاك المشهد ، كانوا يومها يلبسون زيهم العسكري ، شامخي الرؤوس ، واضعي أيديهم على كتابٍ أصبح في زمننا للتبريكات والقسم ،  يقسمون الولاء لله وللوطن وللشعب ....، كثيرون غيرهم كانوا معهم ،أقسموا نفس كلمات القسم ، ولكن فيما بعد افترقت بقلوبهم السبل رغم اجتماع أجسادهم على ظهر دبابة واحدة ..!

ويَمُرّ أمام عينيه  شريطٌ من صورٍ لحياتهم ،هو لم يشهدها بل  رسمها في مخيلته ، ويمُرّ إلى أنا يصطدم قطار صورهم بالصورة الأخيرة ....
سيقف  قلمي في منتصف الصفحة على السطر الأوسط ، ليشاهد .. طُلب منهم أن يمشوا بين الناس عُراةً ، طُلب منهم أن يخلعوا لباس التقوى أو الإنسانية  - واتفقنا أنهما يفضيان لمعنى واحد - ، طُلب منهم أن يخونوا القسم ، الدين ،الوطن ،الشعب ...، " قف أيها الجندي بلباسك العسكري واحمل علم قومك بأيّ لونٍ تلوّن ، وامتشق بندقيتك و – كَرَجُل -  صَوّبها نحو أمك وأبيك ، نحو صاحبتك وبنيك ، وعشيرتك التي تؤويك ، ومن في الأرض جميعا إن كانوا لسيدك مخالفين ، بل صَوّبها نحو ضميرك واقضِ على أيّ نبضٍ حيٍّ فيه ، اجعله جماداً بل ادنى ..
ضع أصبعك – الذي يشهد لله بالوحدانية – على الزناد ، واضغط على قلبك بنعليك المُتّسِخَيْن وأَخْمِد كلّ الزفرات والشهقات ، اضغط على الزناد وانظر في عينيّ ضحيتك ، ممنوع يا هذا أن تُطأطأ رأسك أو تزوغ ببصرك ،لا تفعل الذنب على استحياء ، بل كُن وقحاً بقدر ما تستطيع ..
قلمي ، رغم الألم ينتصب ويمشي مُفتخراً إلى الأسطر المتبقية  ليكتب الآتي .."إنهم يُلقون بنادقهم ، قال : أفعلتم قبل أن آذن لكم ؟! ، أعطوه ظهرهم ومشوا ، ناداهم : لأحرقنكم ولأصعقنكم كما فعلت بالذين عصَوا من قبلكم ، التفتوا إليه : افعل ما بدا لك إن ربنا وعدنا وعد الحق وأنت وعدتنا وعد الباطل ، يصرخ: إنها لشياطينكم التي أوحت لكم بالثورة ، إن عُدّتُم واستغفرتم فسأغفر لكم ، قالوا : بل ستكون من المقتولين ... وبغضبٍ يتقَطّر من جبينه أصدر أمره لزبانيته أن اربطوهم و بالرصاص ارموهم ، لا تدفنوهم بل علّقوهم هناك ليكونوا عِبرةً لكلّ من فكّر بأن يرًدّ أمري هنا ....


إهداء إلى أرواح الجنود السوريين الذين أعدمهم بشار لأنهم رفضوا اطلاق النار على المتظاهرين 




الاثنين، أغسطس 08، 2011

جني الثمار

شيء ما يجذبني بعيدا عن  كتابة تدوينة جديدة ، كلما هممت أن أكتب واحدة ، أجد في نفسي شيئا يردني عن ذلك ، ومصارحة مع نفسي أولاً ثم معكم ، أنني لا أدري ما هو منبع هذا الشيء.. ، كنت قد كتبت تدوينة بعنوان "عن عامٍ مضى " ولكنني لم أنشرها ، لا أدري لماذا ....!
ومنذ  يوم نتائج الثانوية العامة (24/7) كنت فتحت تدوينة جديدة كتبت عنوانها "جني الثمار " ثم أغلقت صفحة الانترنت دون اكتراث ، كنت أريد أن أخبركم وقتها  عن نتيجتي التي لم أُسَرُّ لها كثيراً ، ولكني حمدت الله عليها ، فالمستويات هذا العام متدنية جداً لسبب ذكرته في التدوينة السابقة ..
كانت نتيجتي 93% .... الحمد لله ، تمنيت الامتياز وحصلت عليه رغم أنني كنت أطمح لأكثر من ذلك ...

أعدكم بأن اكتب كثيراً ، فأنا جائعة للكتابة ، أريد أن أكتب ولكن ....

الثلاثاء، يوليو 05، 2011

رُتُوش ثَانويَة عَامّة ...

"عن عامٍ قضيته " كان هذا عنوان التدوينة التي كنت عزمت أن أكتبها بعد عودتي من عام الدراسة الجميل، القبيح، اللذيذ ،الممتع ،المنهك ،المثير الممل ، كنت كلما فكرت بأول تدوينة يخطر ببالي هذا الاسم ،وأقول : سأحدثهم عن يوم طويل على كرسي المكتب المزعج ، وليلي الذي هو  أربع ساعات للنوم وعندما يزداد كرمي اهب لنفسي خمس ،
ولكن أشياء أخرى حصلت جعلتني أكتبها تدوينة أخرى ،ليس مهماً ،  ومنذ متى نحصل على بعض ما نخطط له ؟!.
في اليوم الأول :الخامس عشر من يونيو المنصرم كان العرس الفلسطيني  الكبير يبتدىء مع تكبيرات الفجر ، انهم جميعاً ...الشباب بزيهم الرمادي والفتيات بطرحاتهم البيضاء ، صحيح أنه قد شذَ البعض عن الزي الرسمي للفرح الكبير ، نعم جميعهم خرجوا مع الساعة الثامنة أو يزيد بدقائق معدودات ، يحملون في يديهم الهوية وورق الاستمارة وأقلام ، وفي عقولهم محتويات كتب عكفوا عام كامل على دراستها ، وعلى كاهلهم حلم وطن كبير أثقلهم بأمنياته منذ الميلاد .
مثلهم خرجت بشالي الأبيض ، فأنا ما احببت يوماً أن أخالف هذا الزي الذي أحبه وأبغضه معاً ، لم أكن خائفة كمثل غالبية الطلاب ،  فهذه المرحلة تشكل الرعب الأكبر في حياتهم ، والحمد لا يرجع إلا لله ثم ربما لاستعدادي الذي أظنه كان كاملاً، كانت لغة عربية جلسة أولى ، وهنا انتابتنا الصدمة ، انها لا تشبه أيّا من النماذج الكثيرة التي  أجبناها ، إن الشكل جديد والأسلوب جديد ومستوى الصعوبة غير الذي اعتاد الجميع عليه ، هوننا على أنفسنا الأمر وقلنا عساه يكون هو فقط كذلك ، وعلى الرغم من أدائي الجيد إلا أنني لم اكن راضية عن نفسي ، وتوالت الاختبارات ، على نفس الوتيرة من التجديد في الشكل والمضمون ، حتى وصلنا للاختبارات التي تفرق بين قسم الأدبي والعلمي ، فما سبقها من خمس اختبارات كان مشترك بينناا ، كان الرياضيات جلسة اولى وكانت الصدمة الأكبر لنا ، لا بأس اعتدنا على هذا الأسلوب الذي لم يبرره أحد ، توالت الاختبارات من كيمياء وادارة وأحياء ، وكل يوم يسوء المستوى ، وصلت نفسياتنا إلى حد الاحباط ، البعض لم يكن يمتلك أعصاباً تجعله قادراً على  التحمل ، فأثرت الاختبارات الأولى على التي تلي تلتها فأخفقوا فيها جميهاً ، وصلنا إلى الاختبار الاخير ، فيزياء للقسم العلمي وثقافة علمية للقسم الأدبي ، قلنا عساه يكون الأخير جيد وكما يقولون ختامها مسك ، وعلى صعيدي ولا أخفي عليكم أنني كنت أعد نفسي طوال العام لأحصل على الدرجة الكاملة في الفيزياء ، اجتهدت كثيرا في هذه المادة حتى أحببتها ، بل عشقتها ، كابرت على الاحباط وتوجهت في الرابع من يوليو من الشهر الجاري إلى  المدرسة ، في التاسعة صباحاً كالعادة ، الشرطة على الباب لضبط الأمن ، الاسعاف حول المدرسة خوفاً من حالات الاتهيار ، يتم توزيع دفاتر الإجابة ، نكتب البيانات على الورقة التي سيتم اخفائها فيما بعد وقت التصحيح ، ثم تأتي أوراق الأسئلة في سيارات حكومية محمية بسيارات الشرطة ، في التاسعة ودقيقتين تم توزيع ورق الاختبار لنرى ما رأيناه في الأوراق السابقة ، أصابني اليأس ، إنني لن أحصل على الدرجة الكاملة في الفيزياء ، بذلت كل ما في وسعي ، كانت الساعتين ونصف "حصاد العام الكامل" تشارف على الانتهاء ، لا أنسى أنني ضربت الطاولة بأطراف أصابعي ، كانت ضربة خفيفة ، ولكن لفتت انتباه الجميع المتوتر في تلك القاعة التي لا تسمع فيها إلا أزرار الآلة الحاسبة تُضرب بشكل سريع متتال.
 الحادية عشر والنصف نستعيد حريتنا كما كنا نقول أنا وكل طلاب الثانوية العامة مازحيىن ، بأننا نستعيد حريتنا في ذلك الوقت .
خرجت من القاعة قبل انتهاء الوقت بأربع دقائق لأنال شرف الخروج بنفسي ، قبل ان تاتي احدى المراقبتين تطلب مني دفتر الاجابة غصباً.

العام الذي عشناه كحرب انقضى والاختبارات التي عملنا لأجلها ليلاً نهاراً انقضت أيضاً ، ولكن من حق كل طالب تقدَم لهذه الاختبارات أن يتساءل عن التغير اللامسبوق في اختبارات الثانوية العامة ..
صرَح أحدهم في وزارة التربية والتعليم على أن الأمر مقصود لتخفيف نسبة الخريجين من الجامعات بدون وظائف ، على ما يناقضه ، نفى وكيل تربية غزة هذا الامر وجزم أن الاختبارات كانت عادية وطبيعية،مشرفون في التعليم قالوا بأنه منذ خمس عشرة سنة لم يتقدم الطلاب في فلسطين لأصعب من اختبارات 2011  .... لا بأس اعتدنا على التضارب في الانباء عن حدث واحد ، ولا سيَما زيارة د.عسقول "وزير التربية والتعليم سابقاً" لمدرستنا يوم اختبار الكيمياء ، يومها قال بأنهم سينظروا في شكوانا .

ولكن آخرون أرادوا ان يلعبوا بالمشاعر ، فقالوا :"لأجل الوطن " ، نعم اختبارات صعبة بشكل غير معقول لأجل انتاج جيل قوي قادر على حماية هذا الوطن ،لم أدرِ وقتها هل أصدقهم أم لا ، وإن أردت تصديقهم فكيف أقنع نفسي بأن طلابا حُطمت آمالهم في الحصول على التخصصات التي كانوا يحلمون قادرين على بناء الأفضل ، وأقول لِمَ لا أصدقهم فربما كانوا صادقين ونظرهم أبعد من نظرنا ...

على كُلٍ .. هناك أشخاص يهبون أجسادهم ليصعد عليها الوطن ويعلو ، فهل أبخل بأيامٍ سهرتها لأجل أن يرقى هو ..
ولكن ماذا لو كان سيصعد على سهرنا آخرون ويبقى الوطن في الأسفل ؟؟
ربما يتقلب  ذاك الوطن المتورم بالفساد ويفتح نصف عينه اليمنى ويقول :"تباً ...لم اطلب منهم ان يفعلوا بأبنائي كل هذا " ، ويعود ليغفو ثانيةً ...

لن أخرج في المظاهرات الاحتجاجية المنددة بأسلوب الاختبارات التي تجوب شوارع المدينة وتتمركز بالميدان في وسط البلاد.
سأنتظر ... ليس يوم النتائج.
بل يوماً أرى فيه الكبار يعملون لمصلحة الصغار الذين سيصبحون فيما بعد كباراً.

الأربعاء، مارس 02، 2011

صراع الحق والباطل ..

صراعُ الحقّ والباطل...

مُلثَم الوجه ، عاري الصدر ، خرج من عند أمه التي خشيت ان تمنعه فتكون بذلك قد عصت الله ، وهي أيضاً مشتاقة لشمس تنشر أشعتها على طرق بلدتها بفخر ، لا بتوارٍ وخجل ، الأمر الذي لن يصنعه إلا ابنها وأمثاله ، صراع الامومة والوطن ، وينتصر الوطن ....
يخرج من بين أخواته اللاتي جاء إلى الدنيا فوجدنهن ينتظرنه ، فرحات بمجيء أخيهم الأول ، بسند ومعين المستقبل ، رقبنه يكبر يوما بعد يوم ، صار شاباً بمنكبين عريضين تتناسب مع تلك الأمنيات التي علقتها أخواته عليها ، غدا سندهم في الزمن الصعب ، وقريباً لشدة فرحتهن به سيبحثن له عن عروس ..


مُلثّم الوجه ، عاري الصدر ، أعزل إلا من حماية ملائكة الرحمن ، جاءت تحفه استجابةً لدعوات أمه المبتلة بالدموع ، ودعوات التراب أيضاً ، دعوات كل ذرة في الكون ...


الباطل منتفش يبدو فوق الأرض عظيماً هائلاً ، إنه يغطي الشمس وقطع من وجه السماء الشاحب ، وله أتباعٌ كُثُر ، وأعيان كثر ، لكن لا جذور في الأرض ...


تتهادى خطواته على التراب الذي يلثم قدميه ، بعض حجارة في الكف ، وكثير من اليقين في القلب ، لم يعد ملثماً واحداً ... صاروا ملثمون وصدور عارية ، ووجوه عارية وصدور عارية ، كل الأشياء هنا موهوبة للردى :"تعال أيها الموت ، مستعدون نحن ، رغم أننا ما زلنا صغارا عظمنا هشّ ."


الباطل يغتاظ من ذلك المنظر ..


صوت المؤذن حَذِراً يصيح بالنداء ما بين الغناء أو البكاء ، يؤمهم رجل منهم مُلتحٍ ، يتلو سورة الفتح في الركعة الثانية ، ويسير من سورة الأنفال في الركعة الأولى ، بعد التسليمة الثانية كانوا قد اتفقوا على المسير دون أن يتحاوروا ، هكذا هي الصلاة ، تستطيع أن تجمع الجميع على كلمة دون كلام ..


الباطل يزداد غيظه ، يبدو أنهم اتفقوا في صلاتهم عليه ، الباطل يستشيط غضباً ..فيُصعّد هجماته ..


الأرض العطشى للدماء وللحرية بدأت ترتوي ..


حجارة ومدافع ، مقلاع وطائرات ، صدور عارية ومصفحات ، تكبيرة من حناجرهم وأصوات قصف البوارج ..


صاحبنا .. مثلهم ، يقاوم تارةً ويحمل مع آخرين جرحاهم ، ثم يعود ، يتحد صوته مع أصواتهم لتشكل سيمفونية رائعة ، تهتف بالخلود للشهيد ، التكبيرات وحدها ترتفع كلما سقط ليرتقي أحدهم ...


الباطل يتقهقر فهو المنتفش يضعف أمام أصحاب الجذور الضاربة في الأرض ، والفروع الممتدة في السماء ، الباطل يتراجع والملثمون يتقدمون ، الملثمون يريدون أمرا أكبر من تراجعه ...الباطل يرى أن نهايته تقترب ، يرى أن الزوال قاب قوسين أو أدنى ، فيُخرج ما تبقى من جبروته دفعةً واحدةً ،أملا ً بالبقاء أكثر ، فتزداد أعداد الصاعدين إلى السماء بطريق لا تضيق بهم مهما كثروا ،وأعداد الجرحى أيضاً تزداد ، بل تعد بالآلاف ....تتنهد الأرض بارتياح ، إنها الظمأى ، تشرب الآن .. بقي قليل لتصل إلى الارتواء .


يشد اللثام عن وجهه ، يربطه على جرحه النازف ، يتقدم مع المتقدمين ، الآن خيوط الشمس تداعب عينيه المنهكتين .. تتوارى الشمس خلف سحاب قادم ببطء كعجوز حكيم ، صاحبنا يتقدم ، يقذف ما بيده من حجارة وما في قلبه من داء ، ويتقدّم ، وهناك في البيت في قلب المدينة ، دعوات أمه وأخواته اللاتي ينتظرنه أيضاً.


السحاب المُثقل يتوسط السماء كأنه سيد الموقف ، تتعالى التكبيرات ، تُمطر السحب أو تبكي ، يتعالى الهتاف ، تزيد السحب من عطاياها أو من دمعها ، يحملونه على الأكتاف ، يشقون طريق الموت المحفوف بالرصاص والغدر ، الصوت واحد مع النحيب " لا إله ألا الله .. والشهيد حبيب الله " ، يتوقف السحاب قليلاً ليستمع إلى أنشودة الثورة التي تطلقها حناجرهم ، يُمعن السمع فيستمع لصاحبنا ينطق بالشهادتين لآخر مرة ووصية للأرض ، يحدّق ليده المُحنَّاة بالدماء ، فيلحظ أصبع السبابة واقفاً كما كان صاحبه دائماً..



يعلو " لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله " ، يستأنف السحاب منح عطاياه او دموعه ، ليُشكّل لوحة فنية ستتكرر كثيراً ...


صاحبنا .. فلسطيني ، مصري ، ليبي ، تونسي ، وغداً بحريني ويمني وجزائري ، والبقية تأتي ...


اهداء إلى كل أرواح شهداء الثورة العربية المباركة ..





سجل

انا عربي
ورقم بطاقتي خمسون الف


.....................


عمر المختار: "لئن كسر المدفع سيفى فلن يكسر الباطل حقي"