الخميس، ديسمبر 09، 2010

مشهد ...



"وسيكتب التارخ بخزي أن عصاً بأرض العراق عجزت أن تكون عكازاً لصبي ، وستكتب العصيُ بمرارة أنه كان يلزمها ساق واحدة على الأقل لتصير "عكّازاً" ، عبارة قرأتها في مذكرات رجل عراقي ، كان يتحدث عن "نصف صبي " ، أفقدته "القنابل الذكية " رجليه ، وبقي يرتكز بنصفه العلوي على جده الذي لم يستطع أن يحتضنه من أعين المارة ، ليس إلا لأنه لا يملك إلا ذراعاً واحدة ...


أستحضر شكله وهو يجلس على ما تبقى من عتبة البيت ، ولكنه ليس مضطراً إلى أن بتجنب اتساخ ملابسه لقصر العتبة ، واليوم أيضاً لن يعبث باصبع قدمه اليسرى في التراب أسفل قدميه ويرسم زهرة أثناء استماعه لحديث جده الطويل عن عدد نخل العراق  وزرقة دجلة والفرات ، وعن مكتبة دار الحكمة ....

أستحضر الصورة وليس من الصعب عليّ استحضارها رغم بعد المسافات ، فنحن في الجرح أقرب إلى بعضنا كقرب الوريد ، كثيرون هم الذين قدّموا أطرافهم كي يصنعوا للوطن أطرافا قوية فيحميهم ويحمونه ، وبعض آخر ما زال يحتفظ بأعضائه ملتصقة بجسده لكنها لا تعمل ....


مشهد آخر في نفس السياق .

أراه متكئاً على عكّازيه ، يحمل جسده ويلقيه على كاهليها ، ثم سرعان ما يعاود استرداده ، لأنه يوما لم يُرد أن يُحمّل الآخرين تعبه ، وان كانت العكازات التي صُمّمت ليرتكز عليها .....، أمرّ عنه فأشعر بقشعريرة تغزو جسدي ، لست مُشفِقة بل مُستشعِرة لعظمته ، أرقب خطواته من نافذة السيارة وابتسامة تعلو ثغره ، ابتسامة لخّصت ما ألف عنه المؤلفون في الانتصار على اليأس ،
ابتسامة تشعرني بالانتصار الذي حققه لنا ، دفع مقابله اعاقته ليوزع فيما بعد ما اشتراه " الانتصار " على الجميع ـ فتقطيبة جبينه تروي عن بطولته وهو صامت كأنه المقصود في قول الشاعر  :"صامت لو تكلّما للفظ النار والدّما .... قل لمن عاف صمته ، خلق الحزم أبكما ".
أتمنى لحظتها أن أقف أمامه وأقول له : " إنك رجل عظيم " ،، و(رجلٌ) في قاموسي ليست وصفاً لكل من حمل شاربين على شفتيه ، بل هي وصفٌ لقلّة ، أمثال صاحب العكازين تنقذها من الانقراض .
وأشعر أن الأرض من تحت أقدامه تعلم أن أربعة أقدام تطؤها _ قدميه والعكازين_  ، فتقوم بقذف العثرات في طريقه ، ليس لأنها تكرهه ، بل لأنها تريد أن تجعله أقوى وتختبر قوته على اجتياز الأصعب .
مسكينة الأرض ...! يبدو على ملامحها الشوق لركبتيه تنثنيان عليها ، ولجبينه يلامس أديمها وقت السجود ، هو لن يسجد إلا جالساً على سريره ، وكلّما أحنى رأسه في الصلاة تحاول الأرض أن تنطلق من قيودها لتقبّل جبيناً اشتاقت له ، وشوقه إليها  -لو تعلم - أكثر ...





أعتذر لكل صاحب ألم عجزتُ أن أشاركه ألمه .

الخميس، سبتمبر 23، 2010

فَلَسَوْفَ أُرْضِعُكُ اْلجِرَاحَ مَعَ اللّبَنْ ..





كانت أحشاؤها تتمزق ، صراخها -الذي لم تحاول أبداً منعه من الانطلاق من حنجرة لم تألف هذا الشكل من الصراخ - كان يهز الارجاء ، دموعها كانت قد بللت الوسادة التي أسندت إليها رأسها ، أمّا الأطباء فكانوا حولها لكنها لم تكن تر أيّاً منهم ، يخرج صوتها ممزوجاً بالنحيب صارخاً : " نائـــــــــــــل ... نائـــــــــل " ، تستسلم للبكاء المر ، تحاول رفع رأسها قليلاً عن الوسادة مستندة على يديها الممسكتين بالسرير ، تصرخ "نائــــــــل " ولكن رأسها الذي أثقله الصراخ سرعان ما يهوي على الوسادة ، تحاول عدة مرات أن تنهض ولكنها تبوء بالفشل ...

كان صوت الأطباء الذين لا يبدو عليهم الارتباك - ربما لأن حالات مشابهة كثيرة مرّت عليهم - قد ذاب في دوامات صراخها المتواصل المنطلق من حنجرة آيلة للتمزق ..، ظهر صوت طبيب منهم :" خرج الرأس ،، لم يبق إلا القليل ".......
هدأ البركان الثائر وكفّت حممه عن التطاير  ، " إنه طفل أيتها السيدة ، مبارك إنه طفل " ، ولكن على عكس ما توقع الأطباء فقد ازداد بكاؤها ولكن هذه المرة بهدوء ، تبكي وتنظر إلى قطعة السماء التي ظهرت من نافذة الغرفة وتمتمت بصوت مُنهك " نائــ ـ ـ ـل " .
لم تكن تعلم وقتها اتبكي نفسها التي فقدت "نائلها " قبل ساعات ،أم تبكي طفلها الذي أتى يوم أن رحل أبيه .

نائل كان قد خرج إلى رباطه في تلك الليلة من الليالي التي من المتوقع أن تلد فيها زوجته ، كان متشوقاً ليرى طفله القادم رغم أنه لم يكن الأول  ، خرج نائل مساء ذاك اليوم لكنه لم يعد فجر اليوم التالي كعادته ، استيقظ أهل زوجها مع طلوع الفجر على صراخ مخاضها ، توجهوا مسرعين إلى السيارة ،كانت حينها آملة أن يلتحق بها نائل ليطمئن عليها وعلى طفله ، ولكن الأقدار لا تكافىء الانسان بما يأمل إلّا أحياناً ، فقُدّر لرفيق زوجها أن يصل قبل انطلاق السيارة بثواني ، الرفيق الذي كان يحمل خبر ارتقاء نائل شهيداً .

نهضت هي بجسدها المُنهك عن سريرها ، ساعدوها بتبديل ملابسها ثم ناولوها طفلها الذي ألبسوه الأبيض في يوم تعتقد هي وجوب ارتداء الأسود فيه ، نظرت إلى عينيه ، كانتا واسعتين كعيني أبيه ، رأته فيهما فضمت صغيرها الذي وُلد يتيماً لصدرها ومشت خطوات قلية من السرير حتى باب الغرفة كطفل تعلم المشي حديثاً ، أسندت نفسها للباب ثم أكملت طريقها في ممر المشفى الطويل ، أهلها واهل شهيدها كانوا حولها ، ولكنها لم تسمح لأي منهم بمساعدتها بحمل طفلها ، ربما كان ذلك إعلانا منها منذ تلك اللحظة أنها ترفض الشفقة وانها قادرة على تربية أطفالها الأربعة  بعد غياب أبيهم ، هم  في النهاية عجزوا عن إخفاء دموعهم التي حاولوا كثيرا حبسها ، لا يدرون هل كانت دموعهم على ذلك المشهد المأساوي ، أم على ابنهم الذي قضى نحبه في ساعات الصباح الأولى .!!

كان جسد الرجل طويل القامة ، عريض المنكبين ، المضرج بدمائه قد وصل قبل وصولها وطفلها بوقت قليل ، ما إن وصلت السيارة إلى البيت الذي تجمهر أمامه الجيران حتى أفسحوا لها المجال لتمر ، كانت تمشي بينهم بخطاها الثقيلة وعيونهم تصب عليها الشفقة  ،، وجدته متمدداً في صالة البيت حيث كان يلاعب أطفاله دائماً ، افسح الرجال والنساء الذين تواجدوا من أقاربه لها المكان ، ارتمت على ركبتيها بجانبه  ، مدت يدها إلى عينيه المغلقتين لتفتحهما ، فهي تحبهما واسعتين براقتين كما اعتادتهما  ، مدّت له طفلها الذي كان بين يديها وأدنته من وجهه  :"هادا ابننا يا نائل .. شايف شو حلو ، بيشبهك يا  نائل "، تغرق في دوامة بكاء  مرير  المذاق ثم تعود :" هادا يمّا أبوك ... ملّي أنفك من عطر دمه مش راح تشمه تاني ، هادا يمّا أبوك اشبع من عيونه ، مش راح تشوفها بعد اليوم يمّا ولا انا بشوفها يا حبيبي بعد " تتناول طرف شالها لتمسح الدموع التي أغرقت وجهها وتكمل :"يمّا راح تحمل اسم أبوك ، اسمك  نائل سميتك ، بكرة لما تسأل مين حرمني منه راح أقولك يمّا 
 "
وضعت طفلها على صدر أبيه ، لتصبغ أول ملابس لبسها بدماء أبيه ، لم تتمالك نفسها ، ضمته أمام الجميع وهي تجهش :" هادي آخر ضمة يا نائل ... هادي آخر ضمة يا نائل " .





تعليق .

* أنا لم أقم بتأليف هذا الأحداث بل قمت فقط بالتعبير عن صورة رأيتها ، فنائل لم يكن إلا جارنا  ..
* نائل الطفل من ألف ألف نائل في بقاع الأرض قاطبة ، ليس في فلسطين فحسب .
* في مؤتمر السيد ايهاب الغصين اليوم عن العملاء ، تحدث أن من بينهم العميل الذي وشى بالمجموعة التي كان نائل فردا من أفرادها  .


لم أجد للموقف أنسب من قول الشاعر المصري الشاب الشهيد " هاشم الرفاعي " ، وهي قصيدة على لسان أرملة الشهيد تهدهد طفلها

وهذا جزء منها

نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجـــاء
من مقلة سهرت لآلام تثور مع المســــاء
فأصوغها لحناً مقاطعه تَأَجَّج في الدمـــاء
أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكـــاء
وأمد كفي للسماء لأستحث خطى السمـــاء
نم لا تشاركنــي المـــرارة والمحـــــن
فلسوف أرضعـك الجــــراح مع اللبــــن
حتى أنال على يديك منىً وهبت لها الحيــــاة
يا من رأى الدنيا ولكن لن يرى فيها أبـــاه
ستمر أعوام طوال في الأنين وفي العـذاب
وأراك يا ولدي قوي الخطو موفـور الشبـاب
تأوي إلى أم محطمـة مُغَضـَّنَةِ الإهــاب
وهنا تسألني كثيراً عن أبيـك وكيف غــاب
هذا ســؤال يا صغيري قــد أعد له الجــواب
فلئــن حييت فسـوف أســرده عليــك
أو مت فانظـر من يُسـِرُّ به إليـــك
فإذا عرفت جريمـة الجاني وما اقترفت يـــداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئـاً من دمـــاه
غدك الذي كنا نؤَمل أن يصــــاغ من الـــورود
نسجوه من نار ومن ظلم تدجــج بالحديـــد
فلكل مولود مكـــان بين أســــــراب العبيــــد
المسلّمينَ ظهورهم للسوط في أيدي الجـنود
والزاكمين أنوفهم بالترب من طول السجــــــود
فلقــد ولــدت لكي تــــرى إذلال أمـــــة
غفلت فعاشــت في دياجيــــر الملمـــــة
مات الأبيُّ بها ولم نسمع بصوت قد بكــــاه
وسعوا إلى الشاكي الحزين فألجموا بالرعب فـــاه



وهنا يمكنكم تحميل أنشودة" نم يا حبيبي" لميس شلش ، في نفس سياق الموضوع ..


الأربعاء، سبتمبر 08، 2010

سبعةَ عشرةَ عاماً مرّوا ..

ليوم أقتنص الفرصة لأفعل شيء أتهرب من فعله عندما تراودني ضرورة انجازه ، أتهرب من أن أجلس لوحدي وأحصي عدد التصرفات التي أخفقت في آدائها ، لا بل عدد تلك التي أصبت فيها ..
اليوم وبدون أن أغصب نفسي أو أرغمها على فعل ذلك ، تذهب من تلقاء نفسها لتجلس في هدوء أسترقه من ضجة البيت في آخر أيام  شهر رمضان ، كأنّ نفسي تيقن في مثل هذا اليوم من كل عام أنّ عليها القيام بهذه المهمة الصعبة ، البحث عن القصاصات المفقودة من لوحة العام الذي أفل ، التدقيق في تلك اللوحة جيداً لأكتشف الأخطاء التي خطتها فرشاتي بعبث على صفحة الأيام ، وبيميني قلمي - ذاك الذي يأسرني-  أستخدمه او يستخدمني في تغميق الخطوط التي أظن أنها كان رسمها صواباً ، أمر بالقلم عليها كأمٍ  تمر بيدها على شعر ابنها تشجيعاً له على أداء واجبه المدرسي ..
وأبيات قصيدة طويلة خطتها الأيام بقلمي من ثلاثمئة وخمسة وستين بيتاً ، لن تعرف لها لون  رثاء ،هجاء ،مدح و غزل ، سخرية وامتنان  ، أجيء بكتاب العروض والقافية لأرى على أي بحر من أبحر الخليل كتبتني الأيام في قصيدتها هذا العام ..
في الغرفة ذات الدهان الأبيض والشبابيك التي تُهرّب ضوء القمر الخافت كما يهرّب أهلي في الحصار أرغفة الخبز للأطفال، على الكرسي أمام مكتبي الخشبي  أجلس جلسة معتدلة  كما لو كنت أستعد لدراسة الرياضيات ، أتناول قلم الرصاص الذي لا تنساب الكلمات إلا من فوهته ، وعلى ورقة بيضاء كبيرة مُسطّرة بالأزرق كأنها تستفزني لالتزام الترتيب في الأفكار التي ستصبح هي حاضنتها بعد وقت ، أُطفىء الضوء بعد أن تكون أختي في السرير الآخر قد نامت ، أستفرد بنفسي بعيدا عن الضوء وعن العيون أيضاً ، كي أشجعها على أن تكتب كل ما تريد بدون أن يتسلل إليها الشعور بالخوف ، -وهذا أمر يضحكني حيث أن باستطاعة الكثيرين أن يكتبوا أفكارهم بشكل جيد في العتمة ولكنهم يخفقون في تنفيذها عندما تخرج للنور ...- ، أعتصر ذاكرتي كي أوهم نفسي بأنني لا أذكر أيّام العام بتفاصيلها ، والغريب أنني أنجح كل عام بخداع نفسي بأني نسيت ثلاثمئة وخمسة وستين يوما كي أستغرق وقتاً أطول في هذا الجو الغريب وأنا أتسلل إلى ذاكرتي ، أمسك الأيام وأصنفها : أنت إلى السلة السوداء وأنت إلى البيضاء ، ولا أنكر بأنني أخاف من أن أجد الكفّة البيضاء قد رجحت على السوداء تلك ، وسبب الخوف أنني أشك في حساباتي وأخشى أن تكون نفسي طاوعتني لأعتبر بعض الأشياء السوداء بيضاء ، فأنا لا أقبل بهذا ، لأنني لا أريد لقلمي أن يزور الحقائق في هذا اليوم الذي له قداسته عندي ...

أستغرق وقتاً طويلاً في وضع الحروف على مقاعدها التي تصطف على الخطوط الزرقاء في الصفحة ، فهي أمر صعب أيضا كمسألة رياضيات تعود لقسم الهندسة الفراغية ، وبعد أن أنهي هذه المهمة الشاقّة ، أطلق سراح قلمي الذي سهر معي هذه الليلة لينام بجانب اخوته الملقين بدون اهتمام على المكتب ، أرفع الورقة بجانب ضوء خافت يعود لهلال في حضن السماء ، أشعر بأنني انتهيت من أصعب الاختبارات التي تجريها نفسي لنفسي ، أبتسم عادةً للورقة المملوؤة عن بكرة أبيها بالحروف التي لكل منها قصته ..
وأضعها تحت الدفتر ذي الجلدة السوداء الغليظة ، دون أن أحتفظ بها إلى جانب أوراق  أخرى مكتوبة أيضاً بالقلم الرصاص ، أستغرب أيضاً كأنني لم اكن تلك التي احتضنتها قبل ساعة ، فأستسلم لنداء السريروألقي نفسي بدون أي اكتراث ،وأترك أمر رفع ورقة انجازات عام مضى للصباح الذي سيطلع غداً ....

____________________________________

الثامن من سبتمبر لعام ألفٍ وتسعمائة وثلاثة وتسعين ، وقت الظهيرة - كما قالت أمي التي  يبدو أنني أفسدت عليها قيلولتها لذاك اليوم - استقبلتني هذه الأرض بصراخي الذي لم يخبرني أحد عن مدى صخبه بل استطعت أن أعرفه فيما بعد ..

واليوم : الثامن من سبتمبر لعام ألفين وعشرة  أكون أمضيت سبعة عشرة عاماً من عمري الذي قدّره ربي لي ..



_________________________________________

أنتهز هذه افرصة لأهنىء الجميع بمناسبة عيد الفطر المبارك ...

كــــل عــــــــام وأنــــــــتـــــــــــم إلـــــى طـــــــاعـــــــــة الـلــه أقـــــــــربــــــــــ

وأهديكم بهذه المناسبة أنشودة للعيد طــــل الــ ع ـــــــيــــــد باللهجة الفلسطينية للمنشد خيري حاتم ، أرجو أن تستمتعوا بسماعها..



العيد الجاي بفلسطين

الخميس، سبتمبر 02، 2010

بلادُ العُربِ أوطاني ..

اليوم جئتكم بجرح جديد ، ب آه جديدة تعتصرني من رأسي حتى أخمص قدميّ  ..
لم تعد شكوايا هي غزة أو مصدر ألمي ما يحل بفلسطين فحسب ، علمتنا القصائد التي درسناها وحفظناها عن ظهر غيب ، وقت كنّا في الابتدائية
 بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديــــنٌ يفـرّقنـــــا
لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ

، علّمتنا ألّا ننغلق على أنفسنا ونحتفظ بقوميتنا للقطر الذي نحيا فيه ، بل كل من دانوا بديننا هم منّا ، كلّ من تكلموا بالضاد هم قومنا ..

في سياق متصل .

عندما نرى الرؤساء العرب  مجتمعين في أي قمة كانت فالجميع يشيد بمآثر الرئيس السوري  " هذا هو الذي يشفي غليلنا " ، " الأسد حامي ظهور المقاومين في لبنان وفلسطين " ، " والله أدفع عمري وأرى عبّاس بشهامة الأسد ، مرحى للسوريين برئيسهم "...
وإذا رأينا أحمدي نجاد يعتلي المنصة ويخطب في الجموع الغفيرة " يا ليتنا نرى رئيساً عربياً واحداً بنزاهتك " ، " هذا الرئيس أكيد كل شعبه يحبه ، ما تنسوا هذا داعم المقاومة ، يدعمها بالعتاد والسلاح " ...

نعم على هاذان يعقد الكثيرون هنا آمالهم في تخليصهم من "الكرب " الذي حلّ بهم ، فأسلوب الخطابة الذي يحترفونه والأفكار المعادية لأعدائنا من الاسرائيليين تزيدنا حماسة وتعصب لهم ،  ولكن الحقيقة مختلفة  ، مختلفة جدا ..



الأول  "ديوث " ،،قال صلى الله عليه وسلم :"لن يدخل الجنه ديوث" قالوا : وما الديوث يا رسول الله قال :"الذي لايغار على أهله "

ذاك النذل يعرض أعراض الأمة كاملة للانتهاك ....
ما هذا ..؟ لما تقذفين الرجل العظيم أيتها الفتاة التي لم  تجاوز بعد سن طفولتها  ..!

صحيح أني طفلة ولكن عوداني أبوايا ألّا أقول  كلمة بحق شخص إلّا بدليل ..

وأكبر الأدلة أنّ هذا الديوث يسجن فتيات فقط لأنهن يكتبن في مدوناتهن مقالات وبعض الأشعار التي تساند القضية الفلسطينية أو التي تنتقد إسرائيل ، وعلى رأس القائمة الفتاة ابنة الثانوية العامة طل الملوحي  والتي تقبع منذ عام في سجونه السوداء ، لن أقول لكم لماذا ، تصفحوا مدونتها وأخبروني أنتم أي شيء فيها يستحق أت تُسجن ، إذن  هي طفلة ولكن في الاعتقال السياسي  لأنها أحبت فلسطين ، وعلمت أنه من حقها أن تخطّ حب فلسطين الذي بداخلها على شكل قصيدة ..
وإذا بحثتم في الموضوع ستعلمون الكثير
أعتذر لكِ سيدتي فاليوم فقط علمت بالشرف الذي نلتيه في سجنك هذا ، أعتذر لأنني كان الأجدر بي أن أعلم منذ زمن طويل بصوتك الذي علا من أجلنا فكانت ضريبته السجن ...


أمّا الثاني 
فهو شيعي بطبيعة الأمر ، لا بل هو قاتل ..

يا فتاة ما بكِ ؟ تطاولتِ على كل الشرفاء وأنتِ تجلسين أمام شاشة حاسوبك ، هلا التزمتِ الصمت ، من فضلك !

أيّ صمت يا سيدي ...؟ وأنا أراهم يسلخون أجساد  اخوتي الفلسطينيين ، هل دعمهم لبعض الحركات المقاومة يبيح لهم قتل أشقائي السنيين ...!  ، ما زلت أحتفظ بمنشور يوثق قتل فلسطينيي العراق على أيدي شيعة ايران بقيادة قائدهم الخامنئي ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما دفعني اليوم لأكتب هذه التدوينة هي الفتاة طل الملوحي ، أقول في نفسي عندما  تصفحت مدونتها : كلماتها عادية ، لا تهدد أي نظام سياسي بل لا تشتمه ، بل كل ما تفعله هو التعبير عن شعورها وموقفها إزاء القضية الفلسطينية ، التي هي قضية الجميع ..

هي فتاة تكبرني بعامين ، وتدون مثلي لأجل الحق ، كلتانا نذرنا أقلامنا لنفس القضية ، وهي يكون مصيرها أنها في السجن منذ عام أو يزيد !
تقول أمها أنها سعت كثيراً لدى منظمات حقوق الإنسان ولكن بشار لا يلتفت لأي مناشد بفك أسر أي أسير سياسي ، فهو بذلك اعتبر طالبة الثانوية العامة معتقل سياسي ...

 في زمن المهانة لم أعد أصدق احداً ، بل دعوني أقول بأنني لن أصدق أحداً ، فكل المتحكمين بالشعوب هم " بضع زناة وسكارى وديوثين " ...

إذا الشعب يوماً أردا الحياة  فلاد أن يحترق الرئيس
ولا بد للأوطان أن تحرر نفسها من كل عميل خسيس


تعليق .

لا تعليق ... فكل سطورتدوينتي كانت تعليق على حدث يُولد مثله  ألف كل يوم في الوطن العربي  ...



السبت، أغسطس 21، 2010

من قال إنّنا قوم لا نجيد صناعة الفرح ..!


تقديم .
بعد مرور الثلث الأول من شهر رمضان تأكدت بأننا قومٌ نجيد صناعة الفرح ، أقول صناعته .....

الموضوع.
الآن تساوينا مع الآخرين ، شيءٌ يوحدّنا مع هذا العالم ويجعلني أراجع شعور الانتماء أو الوجود في هذا الكون ، رمضان جاء ليس لأنّ معبر رفح كان مفتوحاً آنذاك ، لا بل لأنه صاحب عزيمة كالقوم الذين قدم عندهم ، ولو أنّ الأبواب كانت مؤصدة لجاء أيضاً كما فعل العام الماضي ، وهو كذلك لن يذهب عمّا قريب بسبب انتهاء مدة اقامته ، أو بسبب التوقعات الرامية لحدوث حرب ، فهو لا يخاف ، سيذهب أيضاً بمحض إرادته .
هو جاء ونحن قومٌ كرام أبناء كرام ، لم نكن لنخذله ونُشعره بأنّه غير مرغوب فيه - لا سمح الله - ، فمن استطاع أن يخفي حزنه أخفاه وبدى سعيداً مستأنساً بالضيف الكريم ، من له أسيرٌ أو جريحٌ أو شهيدٌ  ربط عبى جرحه وقاوم ، خلط الدمعة بالابتسامة ، فليس من طبعنا ادمان الحزن ...

كما يقول الجميع الأطفال أولاً ، أقول أنا أيضاً أنّهم كانوا كذلك في استقبال الضيف ...
أحدٌ ما لم يمنعهم من الابتهاج والفرحة واطلاق "صواريخ رمضان " ، جابوا الشوارع  ، هلّلوا وكبّروا ، وتعالت أصواتهم في مساءٍ هادىء .. ، أقول في نفسي وقتها :"سبحان الله اسمها "صواريخ رمضان "  لها من الصواريخ التي اعتدنا عليها اسمها ، ولها من الفسفور الذي أحرقنا شكلها ، ولكنّنا رغم ذلك ما زلنا نستخدمها ، ربما لأننا كما يقولون عنّا  (جبّارين) ."






لن أقول للإبداع مكان في بلدي ، بل له كل الأمكنة ، البارحة كان أكبر طبق مسخن في العالم ، ثمّ أكبر عدد من الطائرات الورقية ، والآن في استقبال رمضان أكبر فانوس في العالم ليدخلوا جميعاً في موسوعة غينيتس  ليحطموا الأرقام القياسية ، كما حطمّوها من قبل في الصمود ...


  

أرأيتم أننا نجيد صناعة الفرح حتّى لو أنّنا لم نكن نمتلكها ، كتلك القذائف التي افتقرنا لها فأصبحنا نصنعها لنرمي بها عدو الله وعدونا ، واليوم نصنع الفرحة لنقتل بها عدو الله وعدونا


رمضان هذا العام كالذي مضى ..

أيمن نوفل مع رفاقه في السجون العربية المصرية .. وصامدون.
يحيى السنوار وآلاف من قومه في السجون الاسرائيلية .. ومستعدون للضحية.
محمد وأحمد وخالد في المشافي يداوون جراحهم ... وينذرون ما تبقى من أجسادهم لجولة أخرى.
مؤمن الخزندار وآخرون أصبح ما تحت التراب مسكنهم ... يتمنون لو تُعاد لهم أرواحهم ليبذلوها ثانية.
نواب القدس ، بين الإبعاد والصمود ... ولن يغادروا .
لاجئو نهر البارد ... الإعمار حتى إشعار آخر .
اللاجئون على الحدود السورية العراقية ... رمضان في خيام الصحراء له طعم آخر .
لاجئو الشتات "أردن ،عراق ، لبنان ... .."  ..... أحلم بك يا وطني .

نسيت أن أقول لكم جميعاً  " كل عام وأنتم بخير "

الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

إلى مسافرة .


كَمَن يرفع ثوباً بالياَ عن جسده  ويقذفه أرضاً مستبدلاً إيّاه بالمعاطف الثقيلة والنظارات السوداء العريضة ، اقتلعتِ الوطن من الذاكرة وقذفتِيه تحت عجلات طائرات ضجّ بها المطار ، ليكون إقلاعها كفيلاً بقتله فلايعود ثانيةَ يركض خلفكِ  في محاكم الضمير يطالبكِ بتعويض قدره "إخلاصٌ"  عمّا أنفقه من عمره في تربيتكِ  وتحمّل ما لا يُطاق من أجل كرامتكِ ...

سيدتي ... لا تصخبي بتلك الملاءات السوداء التي غطت جسدكِ كله إمعاناً في التقوى ، تستطيع العيون أن تكشف ملخص القلب والعقل معاً ، وها انتِ فشلتِ في إخفائهما في جملة ما تخفين ...

أقولها لكِ ، بوجهكِ : ما عدت أحتمل وجودك على صدر هذه الأرض حتّى وأنتِ في معبر المسافرين ، فاحزمي أمتعتكِ واجمعي ذاكرتكِ ، احملي حقائبكِ على كاهلكِ أو على كاهل ضميركِ ، فليس هذ ما يعنيني ..

سيدتي .. عطركِ النسائي الذي غزا ما تحت سمائنا الصغيرة يستفز كل من لم يأتِ إلى المطار مودعاً إياكِ ، وربّما بعض الذين جاؤوا بحكم القرابة أيضاً ، فلملمي كل ذرة هواء تشبعت من عطرك واجمعيها في حقائبك التي ستصبح قريباً في بلاد الله البعيدة ، وإن لم تفعلي فالهواء كفيل بتنقية نفسه منكِ ..

كلّنا ضقنا ذرعاً بكِ إلا هذه الأرض التي تحملكِ والتي شهدت حماقاتكِ التي ارتكبتِها أمام ناظريها منذ جئتِ إليها بقلبٍ تَغَلّب على سماء الربيع في الصفاء - آنذاك - ، إلّاها ما زالت تحنو عليكِ كأمٍ عقّها ولدها ، وما زال في صدرها دعاءٌ تلهج له به كلمّا لامس جبينها الأرض أم لم يلامس ...

أرأيتِ ..! ، ما زالت تحتضن جذور شجرة الزيتون التي حفرتِ اسمكِ على جذعها يوماً ، لم تنفك عن حمل الجدران المعلّقة عليها صوركِ ، لم تقذف ذكرياتكِ وكل ما شهد على مروركِ عليها ، كما انتِ فعلتِ بها حين لم تقيمي لها وزناً وقررتِ المغادرة ، وتركتِ النقوش على الذاكرة هكذا يتيمة ، تسأل : أين أصحابي  ،، فيُجاب : أكلهم الذئب الذي أكل ليلى في حكايانا القديمة .... ، تفعل هذا كله لتبرئتكِ من خصلةٍ أنتِ اخترتها لنفسكِ برحيلكِ هذا ..

هي كذلك تمعن في الوفاء حين يتفانى الآخرون في الخيانة ، أتتخيلين ! ما زالت مصممة على حملك على صدرها حتّى في " قاعة المغادرين" في مثواك الأخير فيها ، ليس أنتِ فحسب ، بل وحقائبك التي جمعتِ فيها كل ما لايستحق الحمل ، فهناك حيث تذهبين يوجد مثل ما حملتِ فيها  ، ما زالت تحنو عليكِ هي تعرف أنكِ تخونين ولكن طبعها لا يرتضي أنّ في الكون شيءٌ يُسمّى العقوق ....

كما قذفتِ هذا الوطن جانباً ، غداً تقذفكِ بلاد الغربة بعدما أن تمتص منكِ شبابكِ وقوتكِ ، وقتها ستعودين إلى هنا ، إلى الأرض التي تركتيها يوماً ، لأنكِ آنذاك ستتذكرين أنّها أمكِ ، وهي لن يكون بوسعها إلا احتضانك مرة أخرى رغم عقوقكِ الذي عققته ، لأنها أمنا فلن ترفضكِ حين تعودين ...


تعليق ...

"إلى مسافرة " .. كلمات إلى فتاة أعرفها ستترك المدينة - مدينتنا - لأنها ستتزوج في الخارج ..
قد يقول البعض أنني بالغت في توبيخها ولكني أشعر بقشعريرة عندما أعلم أن أحداً ما سيترك هذه الأرض للأبد ، ويستقر في الخارج ..

الاثنين، أغسطس 02، 2010

أَتَذَكّر إنّي أَتَذَكّر .


أتذكر إني أتذكر ...

هو عنوان لقصيدة درسناها في الصف الثامن "أتذكر إني أتذكر الدامون لياليه المرة والأسلاك، والعدل المصلوب على الشباك .."
هذا ما علق بذاكرتي من تلك القصيدة التي شرحت -ربما - بعض ما سأتذكره في تدوينتي هذه ...

قبل عشرة أعوام .. عام 1999 ، كانت الساعة التاسعة صباحاً ، أثناء الحصة الثالثة ، ،كانت معلمتنا "أمينة" ، تقف أمام السبورة الخضراء الداكنة ، تحمل أصبع الطباشير الأبيض بين سبابتها وابهامها ، بينما تضع الملون داخل قبضة يدها ، كانت تشرح درس اللغة العربية في ذاك اليوم  ،  تمشي من بداية غرفة الفصل وبخطوات هادئة تناسب أسلوب الدرس آنذاك ، حتى تصل نهايته ، وكل مرة تمر من جهة مغايرة للأخرى كي تمنح جميع الطلاب والطالبات نفس الاهتمام  ، في ذلك الوقت كنت أجلس على طاولتي ، أضع يدي ّعلى خديّ  استغراقا في الانتباه للدرس الممتع ، فيزيد ذلك من بروز الجدلتين على جانبي رأسي  ، كل واحدة منهما كانت مربوطة بشبرة بيضاء على شكل فراشة ، مما يشجع الجميع لمناداتي بالقطة . أذكر تماماً ..

كنّا لا نسمع يومها إلا صوت الآنسة أمينة التي نجحت في اجتذابنا لها ، ولكن لم يدم الأمر على ما هو عليه ، صوت صفارات الانذار بدأ ينطلق من غرفة الناظرة ، كان قد تم تدريبنا فيما سبق على "الإخلاء " أثناء سماع هذا الصوت المُنذر بالسوء ، بدا الخوف على وجوهنا الطفولية ، وخصوصاً بعدما علا صوت القصف ، وهتافات الناس المذعورة في الشوارع المجاورة للمدرسة ، - كالعادة - استلقينا أرضاً ، وطلبت منا الآنسة أمينة التزام الهدوء لأنها ليست المرة الأولى  - كما قالت - ، نزلنا جميعاً من الطابق الثالث إلى الطابق الأول -كما كان متفق - ، نزلنا الدرج بشكل سريع حذِر ، وبينما كنّا نركض كنت أرى ذلك العلم الأزرق الذي ما فتأ يرفرف فوق السارية منذ دخلت هذه المدرسة ، كان يسخر منّا جميعاً ، أحسسته وكأنه يقول : هذه ما دبرته لكم أنا والمنظمة التي أمثلها ، يوماً رأيت أجدادكم يهربون من بيوتهم تحت وابل النيران ، واليوم أنتم - الأحفاد - دوركم أن تركضوا من تلك الفصول ذات الأبواب الزرقاء ... ، كم تمنيت تمزيقه ، لكن لا أملك كطفلة في عامي السابع سوى الالتزام بما تمليه ادارت المدارس التي تعلمنا - كلاجئين - ، وعليّ أيضا أن أرضخ للعلم الذي يحلق دوماً في سماء المدرسة ..


استكملنا الركض ، كل مجموعة من الفصول تنزل من الدرج الأقرب إليها ، حتى أصبح الطلاب والطالبات جميعهم في الطابق السفلي ، بعضنا كان هَلِعاً وأما الآخرون فلم يبدو الاكتراث على محياهم إلا قليلاً ، كنّا نسمع بين الفينة والاخرى من المعلمات أنّ اجتياحاً للدبابات الصهيونية قد اقترب من جهة المدرسة ، آنذاك لم تكن إسرائيل انسحبت بعد من قطاع غزة ، فخطر الاجتياح كان محدق بنا في كل لحظة ..

يطول الوقت ونحن جالسين على ركبنا في الممرات بين المقاعد ، مرة نبكي معاً ومرة أخرى نضحك رغم الموقف ، عندما تبكي بنان أو هالة  وتطلبان أمهما كان ذلك يثير سخرية الطلاب الذين اعتقدوا أنفسهم بيننا رجالاً في مثل هذا الموقف ، بل كان مروان يقفز بين الطاولات مستفيداً من انشغال الآنسة أمينة والآنسة زينب في تهدئة بعض الطالبات ، كنت وقتها ذات موقف محايد أ لست مع اللواتي يبكين طلباً لأمهاتهم ، وأيضاً لست من هوؤلاء الأشقياء الذين ما انفكوا عن إثارة الشغب حتى في مثل هذه المواقف العصيبة .. ، كنت أجلس أتأمل :" أخواتي في المدرسة المجاورة ، ماذا عساه حلّ بهم ، أنا الصغيرة فيهن ، لابد أنهم الآن قلقين عليّ ، وأمي الآن في البيت مع الصغيرين أحمد ومحمد ، هل وصل نبأ الاجتياح لها ..! ، هل لجأت لجدتي أم بقيت في البيت ، والمدرسة التي يدرس فيها أبي هل يسمعون الآن صوت الصواريخ والقذائف فيها ...؟ " ، ثم أعود ثانية للواقع على صوت صاروخ يهز الغرفة ، فيصمت الجميع ويعلو صوت البكاء ، ثم ما يلبث الوضع إلى أن يهدأ ، فأنشغل أنا بالجدلتين اللتين على جانبي رأسي ، كنت أخاف دائما أن يفسد شكليهما أحد الطلاب كثيري الحركة والشغب ...

بعد أن يمضي الكثير من الوقت ربما ساعة  أو ما يزيد عنها بنصف ساعة ، يكون صوت الانفجارات بدأ ينخفض مما يعني أنهم ابتعدوا ، وبعد أن تطمئن إدارة المدرسة على الجميع تسمح لنا بالعودة فوراً إلى بيوتنا مشترطة في ذلك السرعة وعدم لمس الأجسام المشبوهة أو الألعاب أوحتى قطع الشوكولاتة والحلوة والسكاكر إذا صادفتنا في الطريق ، درسٌ حفظناه من أمهاتنا قبل معلماتنا ، فيتجه الجميع إلى البيوت ليشهدوا ليلة أشد ذعراً ، وليستمعوا إلى أصوات أكثر رعباً ...

هذا السناريو لم تكن إسرائيل لتحرمنا منه أبداً ، بين كل فترة وأختها ، يُعاد هذا المشهد ، وبقي معنا ولكنه يتطور يوماً بعد آخر ، حتى صنعت منّا أطفال بعزيمة الرجال ، بعمر عجوز عاشت النكبة ، أطفال يحملون بين حنايا قلوبهم وطن .

" أتذكر إني أتذكر الدامون لياليه المرة والأسلاك ، والعدل المشنوق على السور هناك ، والقمر المصلوب على فولاذ الشباك ..."

عندما كنت في الصف الثامن بعد مرور سبع سنين على ما ذكرته ، كانت الآنسة سماح تختارني دوماً لألقي القصيدة في بداية الحصة ، وذلك لإبداعي في هذا الأمر - كما تقول هي - ، فأقف أمام الطالبات وأنظر من النافذة إلى العلم الأزرق نفسه الذي سخر مني يومها ، وأردد المقطوعة الأخيرة من القصيدة بغضب تحمر له وجنتاي :

ياشعبي...


ياعود الند..

يا أغلى من روحي عندي

إنا باقون على العهد

لم نرض عذاب الزنزانة

وقيود الظلم ,وقضبانه

ونقاس الجوع وحرمانه

إلا لنفك وثاق القمر المصلوب

ونعيد اليك الحق المسلوب.

و(نطول) الغد من ليل الأطماع

حتى لاتشرى وتباع!!..

حتى لايبقى الزورق... دون شراع!!..



وتعزف في أذني مع تصفيق الطالبات نشيد :


مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي


الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ

فـــي رُبَــاكْ فــي رُبَـــاكْ

والحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ

فــي هـــواكْ فــي هـــواكْ
هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ

سـالِماً مُـنَـعَّـماً وَ غانِـمَاً مُـكَرَّمَاً

هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ

تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي



الأحد، يوليو 25، 2010

غابوا ، فعذبوها وعذبوني ..


"وين راحو وما رجعوا .. وين راحوا  ...؟"

بقيت هذه العبارة تترد في أذنيّ ، ليلَ نهار ، منذ ثلاثة أيّام ، ولهذه الكلمات قصة ..





قبل ثلاثة أيام ...

كنا نمشي - أنا وأختي ووالدي ووالدتي - في أحد شوارع غزة الساعة العاشرة والنصف مساءً ، وذلك بعد عودتنا من حفل تكريم طلاب الثانوية العامة ، اخترنا يومها أن نمشي بدلاً من أن نستقل سيارة نعود بها ، كان الجو جميلاً ونسمات الهواء منعشة في تلك الليلة ، وجو الفرح الذي أضفاه عرس النجاح على الشارع الفلسطيني ، الأمر الذي شجعنا على أن نختار العودة مشياً على الأقدام ..

كان والديّ يسيران في المقدمة وأختي تتبعهما ، وكنت أسير ببطء مستغلة سير القمر معي ، وفيما كنت والقمر نتبادل أطراف الحديث ، إذ بصوت عجوز يبدو عليه التعب ، كانت تلبس ثوباً أبيضاً وغطاء رأس أبيض أيضاً ، وقفت أمام باب بيتها وأخذت تردد تلك الكلمات " وين راحوا وما رجعوا .. تركوني لمين .. وين راحوا .." ، انتابني بعض الخوف وخصوصاً بعد أن لاحظت أني تأخرت عن والديّ ، وأنا في الشوارع التي لا أعرف فيها شيئاً ، ناديت أختي  :" أختي ..أختي ..اسمعي ، تعالي شوية " ، رجعتْ بعض الخطوات لتكون بمحاذاتي ، أخبرتها بأمر تلك العجوز ، فأخذت واياها نمشي خطوة للأمام وننظر للخلف على تلك المرأة ..
كان علينا ان نصل لوالديّ  قبل أن يلاحظوا أننا تأخرنا عنهما ، فمضينا ..

مضينا وصوت تلك العجوز يتردد في أذنيّ ، وأكوام التساؤلات تكوّمت في رأسي  ، ما تراه شأنها ؟ من الذين مضوا وتركوها ..؟
في هذه المدينة يمضي الناس بطرف العين ، تفقدهم في الوقت الذي لا تتوقعه وتظل تعيش على طيفهم عندما يزورك ..

ربما كان أبناؤها من المقاتلين الذين ارتدوا اللثام وبنادقهم ، ومضوا يمنعون هذه المدينة من الغياب ، فغابوا هم لتبقى هي  ، ولم يبقوا للعجوز إلا قمصان ازدانت بدمائهم  ، تحضنهم صباحَ مساء  ..، أو قد يكون الأعداء أخذوهم من حضنها أثناء التوغل ، كرهائن مقابل الجندي الأشعث ، كأن ما عندهم لا يكفيهم ولا يسد رمقهم  ، فأصبحوا حلم تحلم به فحسب ..

أم عساهم سئموا من سجن المدينة ، فهمّوا أن يتركوها ، ويلجؤوا إلى مكان يعطيهم بعض الأمن والطمأنينة ، ربّما كان تفكيرهم في التخلص من هذه الهموم أنساهم أمّاً ستقف يوماً على باب البيت وتنادي عليهم  ، فذهبوا وتركوا الحسرة تأكل قلبها ...

ثلاث ليالٍ  وصوتها يتردد كمن يطلب النجدة " وين راحوا ..  وما رجعوا يمّا وين ..؟ " .
عندما اذهب إلى سريري ، أنظر من شرفة الغرفة إلى القمر الذي يطيل النظر إلي ، فأقول له : أتذكر صوت تلك العجوز ، أيتردد في أذنيك كما يحدث معي ... ماذا عساه شأنها ...
أبقى بلا أجوبة منه ، وأخاف نهاية الشهر فيختفي ، وأظل أسمع صوتها وحدي انا ، دونه .! ، فأكمل نسج افتراضاتي ..

ربما تزوج أولادها ، أخذتهم زوجاتهم بعيداً عن امهم ، وتركوها في بيت يخيم عليه الصمت الموحي بالموت في هذه الشوارع التي تضج  بالحياة ، فوقفت على الباب بين الصمت والصخب ، تخاف أن تعود للأول  فيقضي عليها ، او ان تذهب للآخر فيدهشها أن تراهم يتمتعون بلذة الحياة منذ سنين ، ففضلّت ان تبقى واقفة بالباب بين العالمين المتناقضين ..

قد يكون تشاجر أحدهما مع آخر ، فشتمه ، ثم ضربه  ، تصاعدت أصواتهم ، فأخرج السلاح ووضع طلقة هادئة في رأسه ، فنالت هي فجيعة أن الأول ساقوه  إلى القبر ، والآخر سيق إلى السجن ..

أنظر إلى الساعة فأجدها جاوزت الواحدة صباحاً ، أتوسل لها ان تتركني لأنام ولو قليلاً ، أفتح بعض قصائد لتميم في أذنيّ ، لعلّ صوته يطرد صوتها ، فأنام ..
يرن المنبه بعد قليل ، أشك هل أنا بدّلت نغمة التنبيه هي لم تكن " وين راحوا وتركوني .." ولكني أجدها باتت كذلك ، اتناول هاتفي من  المكتب ، لأوقف المنبه لكنه لم يقف ، أنهض لأتوضأ وأصلي ، فأجد صوتها في كل ركعة ، في كل سجدة ، بل في كل تكبيرة ..

يبدو أنني لن أستطيع أن اهرب من ذاك الصوت إلا عندما تستنفذ تلك العجوز كل خيوطي التي أنسج بها افتراضاتي لندائها المتقطع بالنحيب ...



الأحد، يوليو 11، 2010

أحاسيس متناثرة ..



وجدت نفسها ملقاة على  الرمال بعد أن وقعت فريسة للأمواج المتضاربة ، التي لم تجد أمامها إلا هي لتقذفها يميناً ويساراً ، مرة تقربها من الشاطىء وأخرى تقذفها لتتلقفها موجة أشرس ، ربما وقعت بين فكي سمكة متوحشة ، او شهدت إعصاراً مدمّراً ، ولربما كانت في غيبوبة حين قُذفت للبَر ، الجيد أنها عندما استيقظت وجدت نفسها بعيدة عن الأمواج المتناحرة ...

تماما ....الأصداف كالبشر ، والأمواج كالبشر ، والأسماك المفترسة كالبشر أيضاً ...






 
الانسان الذي حاك خيوط هذا الحبل ، كان يبحث عن لقمة لأطفاله يعود بها بعد مغيب الشمس ، وربما لم يكن يعلم أنّ مصير هذه الخيوط هو "مشنقة" ،، والذي عقد هذه العقدة المؤلمة  كان يريد تنفيذ أحكام عمله ، أو ربّما كان وطنيّاً ، واعتقد أن هذا العقدة ستسبب هلاك المجرمين ، الذين يعتدون على عرضه ووطنه ، ، والأخير يجلس فوق كرسيه ويضع قدميه على مكتبه ، ويطبع إمضاءً على ورقة الإعدام ، ولربّما تنازل وكلّف نفسه وقام بحضور "حفلة الإعدام" ليستلذ بالقضاء على "المجرم"....
كلهم لم يعلموا لماذا صنع بالضبط هذا الحبل ولكنّ هذا الأخير يعلم الأوراق التي مضى عليها ....

أحبال المشانق لا تسرق إلا أرواح الأبرياء ، واليوم كم من حبل مشنقة صنعوه بدون حبال ، إنما يتقنون صناعة المشانق ولو "افتراضية" .....



جميلة خيوط الشمس وهي تداعب الشعرات الشقراوات ، وتنساب بينها برفق ...
لبست فستانها الأبيض وطلبت من أمها أن تمشط لها شعرها ، وتضع عليه "الشبرة البيضاء " ، كانت سعيدة جداً ، استعدت وارتدت حذائها ، ثم قصدت الشارع لتلهو مع الأطفال يوم العيد ، فوجدت الشارع خالياً ، ليس من الأطفال فحسب  ، بل أيضاً من ألعاب العيد ..
لم ترضَ أن تستسلم للوحدة ، أخذت تجول بنظرها ، تبحث عن شيء صالح للعب ، فوجدت  عجلة وحبل ، تناست أنهما "خردة" واتخذتهما "ألعاباً " ، وأمضت يومها فرحة ....

هكذا يجب على كل من تحطمت  نفسيته عندما وجد نفسه وحيداً ، عليه أن يصنع من اليأس فرحة ...




 فلاح شاب بعينين بنيتين يحمل على كتفه المنجل يمر بين سنابله التي زرعها ، يستبشر بالحصاد ، يضع كفه على سنابله كالأم التي تمسح على رأس طفلها ، وفي اليوم الموعود ، يستعد لحصدها ....
وصل القمح لها -عجوز القرية تلك- ، وضعته داخل طاحونتها وبدات تطحن فيه ، وتدندن  مع صوت الطاحونة ، وبين الفينة والأخرى تأخذ قسطاً من الراحة ...
أخرى كان عليها أن تقوم بعجنه جيداً ، كان بجانبها بعضاً من الخميرة والماء جلبته من البئر ، وحولها أحفادها تروي عليهم قصة ذاك اليوم ...
كان موعد الأرغفة المعجونة عند "العم" صاحب الطابون ، ليقلبه يمنة ويسرة ثم يضعه داخل حفرة الطين التي تضم داخلها النار المتوهجة  ، ينتفخ وينتفخ ، ثم يخرج الهواء منه ، وهكذا  ، حتى يلحظ "العم" احمرار وجه الرغيف فيصدر القرار بإخراجه ....

يشتروه ويبيعوه ..

رحلة الرغيف كرحلة الإنسان في هذه الدنيا ....



أردد في البيت " فتش بألك عن كلمة بحبك " فتقول أمي : " ومن متى نردد الأغاني ؟"
أبتسم وأقول لها " خلينا نعيش الحب ونرسم كلمة حب الغير ، خلينا نعيش الناس نعلم معنى حروف الخير  "
تزداد عصبيتها ، فأكمل :" والابتسامة أجمل وسامة ، رحمة وفضيلة بيوم القيامة " ، تصمم على معرفة  أصل هذه الكلمات ، فأقول لها أنها لمنشد الأطفال ، تمعني كم جميلة هي كلمات  هذه الأنشودة ... وثمّ منذ متى أسمع أنا الأغاني  ،، تبتسم برضى  ، فأعود أنا أردد  ما تبقى منها ..

ربما عليّ أن أعطي درساً لكثير من الناس بمعنى الحب الذي يعتقده الجميع بأنه كل الأشياء الخاطئة ...




الثلاثاء، يونيو 29، 2010

في كهربا يا ترى ؟؟

 

فاكرين يا جماعة لما زمان قبل ما إمي تولدني أنا ؟؟؟
أظن فاكرين ، لأني أنا فاكرة ..
المهم من هداك اليوم والكهربا بتقطع وبتيجي ، بتقطع وما بتيجي..
وأيام ما اخدوا الولد يلي اسمو شاليط ، قاموا قطعوها وبقيوا ساحبينها طول الصيف ، أيامها يعني قبل كم من سنة .
وبعدها بحجة الحزين هادا عيشونا بسواد كم من سنة بس ، مش كتير يعني .
المهم مشينا ومشينا   ووقفنا عند الحرب 21 يوم بدون كهربا ، كانت أمي تطلع عالأسطوح ونطلع معها من شان نطبخ عالفحم ونغسل على ايدينا ويلي بدو يتحمم ، يدبر حالو بشوية مية مسخنة على الفحم ، يعني أحسن إلك ما تستخدمها لأنها بتخليك أكثر قذارة ، بس الحمد لله كان شهر يناير عز البرد ومن شان هيك ، الله سترنا وما عفنّا ..
بعد هالقصة الصغيرة تبع الحرب ، صاروا يجيبوا الكهربا يوم ويقطعوها اتنين ، واحنا الغلابة بنحكي الحمد لله يا رب.
ومشينا ومشيت هالايام وعيني ذابوا من الشمعة ، وادرسوا كيميا ورياضيات وفيزيا ، وموتوا يا غلابة من شان تاني يوم تقدموا اختبار "ما بينحل " ، والله صبّرنا و اخدنا امتياز في الفصل الأول .. ، إجت الاجازة النصفية وقلت بدنا نتنفس قبل ما يبدأ الفصل التاني ، راحوا اولاد ال .... شفطوا كل السولار ، يعني كانت تقطع 8 ساعات بالأول ، بس لما اجت الاجازة "كلها اسبوعين" صاروا يجيبوها 8 ساعات ...
يا ربي ... بدأ الفصل التاني ورجعنا للشمعة ، ورجعوا تكرّموا علينا ، وصاروا يقطعوا الكهربا بس 8 ساعات بالنهار ، أيامها كنّا قبل ما ننام ولمّا نصحى ، نبوس أيدينا وجه وقفا على هالنعمة ، يعني 8 ساعات تقطع الكهربا في اليوم ، عز ما حد وصل لإلو ..

المهم ، مشينا شويتين ، وخلص الفصل الدراسي التاني وأخدت امتياز "غصب عنك يا اسرائيل" ،وقلت يلا يا سوسو اجت الاجازة الكبيرة 3 شهور ، من شان أنسى كل تعب الدراسة والواحد يعني يعيش شوية . وشو هالصيف يا جماعة ، أعوذ بالله من نار جهنم ، تقول الشمس نازلة كم من سنتيمتر عن موقعها ولا ما بعرف مين كابب على غزة حر ...

المهم ، هالاجازة فرفشة غير شكل ، بدنا نعمل حملة اسمها " غزة غير .. صيف 2010" ، في اول الاجازة  كنا على نظام  انو تقطع 8 ساعات في اليوم ، ومتل ما قلتلكم احنا راضيين ومبسوطين بهالشغلة ، وإذ بهم  يبدلوا النظام ، وتسير يا حبة عيني تيجي الكهربا عندنا 5 ساعات باليوم ، وباقي اليوم بنقعد نقصقص بزر ، والبزر غالي والله هاليومين .
وطول  اليوم الّي بيتحول كل شي فيه لأشغال شاقة بالحر وبدون كهربا ، بتلاقي إمي بتحكي " حسبي الله عليك يا فياض ، الله ينتقم منك يا عباس ، تجيك من عند الله يا مبارك ، يحرقهم بنار جهنم باراك وتنياهم يارب " بتغيب  شوية ولما يتأزم الوضع :" الله ينتقم من كل الظلم ، تتلقاها بمالك وبصحتك وبعيالك يا مبارك ، الله يقطع رقبتك يا فياض متل ما قطعت الكهربا يا حرامي السولار  والغاز " وعلى هالموال...

المهم .. اليوم  موعد الكهربا تيجي الساعة 12 الظهر ، أنا من قبل بساعة قاعدة وحاطة ايدي على خدي  وبأستنى الساعة تسير 12 ، ولخيبة الأمل سارت 12 ، وكل اهل البيت قالوا :أمرنا لله ، شكلهم راح يجيبوها 5 دقايق باليوم ، بردو خير وبركة ما حد زعلان ، وفجأة وبدون مقدمات والساعة 12 وربع ، شفنا ضو الغرفة بيضوي ، والله لا يوريكم ، حركة البيت تغيرت والأصوات تعالت :"يا بنات يا اولاد ، يلا بدي أغسل هاتوا ملابسكم " ، " واخيرا بدي أتحمم يلا صفوا طابور  شوية والهيتر بيسخن المي " ،" هلأ هلأ يا محمد بتخلي التلاجة مليااانة مية من شان الواحد يشرب شوية مية متلجة  " ، " لحقوا يا جماعة افتحوا التلفزيون تنشوف الاخبار ، وبعدها نشوف آخر أخبار طيور الجنة وكراميش " ........يعني  وهيك الوضع ..
الحمد لله انا راح أرتاح 5 ساعات هلأ لأنه لما يرن الجرس بأفتح من هون ، مش راح انزل الدرج كله من شان أفتح  ، وغير كده لو تشوفو العز يلي أنا فيه ، أنا قاعدة ومشغلة المروحة ، والله يا جماعة الله كريم كتير ..

يعني هلأ الساعة 2 وربع كمان ساعتين ونص بتروح الكهربا وربكم أعلم ايمتى بتيجي ولّا كمان كم يوم بيتجي ، كل هذا بعلم الغيب ...

عرفتوا قصتنا ؟؟؟
بالآخر بحكي
لو قطعوا عنا الضي لو عطشت غزتنا المي ، إلّي بموت بأرضه حي ، ويا ويليو إلّي بيرضى العار
وبحبك يا غزة وبموت فيكي ، ولو قطعوا عنا الهوا مش بس الكهربا والمي ، احنا راضيين وصامدين لآخر نفس فينا ، والله ما بيفوتوا غزة إلا على جثثنا ، يا احنا يا هم ... والزمن طويل ، ومتل ما بتقول امي دايما : الظالم له يوم ، ودولة الظلم ساعة ودولة الحق لقيام الساعة ، ويمّا ما في وضع بيدوم .

وأنا بدي أقوم  بلكي ألاقي مية متلجة  ، وأخلي مجال لغيري ليتسخدمو الجهاز ..

تعليق..

أولاً .. هذه المرة الأولى التي أستخدم فيها العامية في الكتابة ، فأعتذر لجميع القرّاء ، وعلى من لم يفهم شيء من هذه اللكنة الغزاوية بأن يخبرني وأنا سأساعده ..
ثانياً... هذه التدوينة إنما عبّرت عن واقع أحياه أنا وكل من يقطن في هذا الحصار منذ لحظة الميلاد ..
انتظرت الكهرباء كثيراً ، بالرغم أن غيابها الطويل جعلنا لا نفتقدها كثيراً ، أصبحنا قادرين عن العيش بدونها بالرغم من شدة احتياجنا لها ، قد يبدو الكلام متناقض ، ولكن عليكم أن تعتادوا على عالم المتناقضات هذا....
ثالثاً .. بالنسبة لدعوات أمي على فياض وعبّاس  فإنها  تستند لدلائل ووثائق كشف عنها وزير الطاقة ، يمكنكم المتابعة على   "فلسطين الآن " عن هذه الفضيحة التي تدين فياض شخصياً بانقطاع الكهرباء..


                                         أنا وين ؟

وهلأ لأني زهقانة كتير بدي ألعب معكم لعبة ، هادي يلي في الصورة غزة ، الشاطر يلي بيعرف وين انا ساكنة بالضبط ..
لأني بحبكم راح أساعدكم ،  المنطقة يلي أنا ساكنة فيها سودا لأنو ما في كهربا ^_^

يلي بيعرف راح يكون بطل ^_^

الجمعة، يونيو 11، 2010

إِعْصَارٌ بَيْنَ شَفَتَيّ الصّمْت.


كان يشبك يده الصغيرة بيدها ، تداخلت الأصابع حتى كادت تلتحم ، كل منهما يبدو كإنسان ضائع، حملقت عيونه العسلية في البحر الممتد زراقه أمامه ، كان يجول بنظره  في الأزرق الواسع، ثم تركز عيونه في نقطة التقاء السماء بالبحر ، بينما كانت هي تراقب طائر النورس مكسور الجناح ، فيما كان يحط بجناحية على الشاطىء ...كانا طفلين بريئين .
الصمت سيد الموقف ، ولا صوت سوى أمواج البحر المضطربة تضرب بالصخر ، و نعيق غربان سود.
كسر أخوها _الذي يصغرها سنّاُ_حاجز الصمت ..

_ أختي هل تعرفين متى سنموت ؟

* لا أعلم .. ربما قريباً
_ نعم انا متأكد أننا سنموت قريباً ، فكل الأطفال هنا يموتون وهم صغار ، ونحن  عشنا من العمر ما يكفي ،، كانت أمي تقول أنني في السابعة من عمري ...

* أتعلم.!...إنك محق ، أتذكر أننا احتفلنا آخر مرة بعيد ميلادي التاسع وابنة خالتي قُتلت وهي في السابعة من عمرها ..
_ ألم أقل لكِ ، إن الجميع ينزفون الدماء ،أراهم هكذا دائماً ، كثيرون  كانوا أصغر مني أو بعمري ...

* يا إلهي ...كان لدي سؤال يحيرني دائماً ، لم يحالفني الحظ لأسأله قبل أن يرحل بابا .... هل تعتقد يا أخي بأن الأطفال في جميع العالم يموتون من المرض ومن القصف ...كما نحن؟؟

- أختي ... قال أبي أن الذين يموتون يذهبون إلى مكان فوق السماء اسمه "الجنة" ، وقال إن في الجنة كل شيء ، حتى الشوكولاتة .
.
* في الجنة لا يوجد دماء ، ولا أصوات مرعبة ، كانت تقول أمي هذا دائماً ، قالت أن الجنة فيها عرق زيتون أخضر وسلام..

صمت يسود ، وعلامات استفهام تعتلي وجهي الطفلين ...

_ انظري إلى هذا البحر كم هو كبير ، المياه لا تُعد ، أتعلمين ممّا تكوّن هذا كلّه ...؟

* أذكر إن معلمتي قالت أن مياه الأمطار هي التي كونته ، وتمنعه من النفاذ .

_ لا .. لا ، معلمتك مخطئة ، الأمطار ليست كثيرة لتملأ هذا البحر ، إن هذا البحر تكون من دموع أمهات الأطفال وأبناء القتلى والشهداء ، فهي كافية لتملأ هذا المكان الكبير، ألا تلاحظين أن طعمها مالح ....!

* أتذكر أن المعلمة كانت تقول ان دمع  العين مالح .....ربما انت محق !

_ أختي ....هل تكون أمي في الجنة الآن ، أم أنها بعد في ثلاجة الموتى بجانب أبي.؟

* بالتأكيد هم ذهبوا للجنة ، لأن ثلاجة الموتى لا تتسع  للكثير ممن يُقتلون ...ونحن أيضا عندما نُقتل لن نبقى كثيراً في  ثلاجة المستشفى ، لأننا صغار ، سنذهب فوراً للجنة ..

_ لكن يا أختي الجنة فوق السماء ونحن لا نمتلك طائرة ، كيف نصعد بسرعة ...!

* لا ... لا يا حبيبي ،أنسيت أن أبي قال أن الله يأخذنا لها بدون طائرة ...

_ نعم..نعم ،، تذكرت.

* أتعلم يا أخي ، لقد اشتقت لأمي كثيرا ولأبي أيضاً ، لو أستطيع أن أتصل بهم ، فعلى ما يبدو أنهم سيبقون كثيراً في الجنة ...لو أمتلك هاتفاً لقلت لهم أني مشتاقة لهم كثيراً

_ بالتأكيد هم يملكون هاتف ، أمي قالت بأن أهل الجنة يجدون كل الأشياء ، كل ما يتمنوه ، بدون أن يطلبوه ، ولا تنسي بأن أبي كان يحمل هاتفه في جيبه عندما قتلوه ، إذا فهو معه في الجنة الآن ، لا بد أن يتصل بنا قريباً ، هو حنون جداً ، سيشتاق لنا ..

صمت آخر لا يقطعه إلا الأمواج القاسية تضرب بالصخر المترامي هنا وهناك، وطائر النورس كسير الجناح  يستمع إلى سذاجة الطفلين...

تمتمت مُقاطعةً الصمت : هنا وفي مثل هذه الأوقات ، قُتلت عائلة هدى غالية .... أخذتهم النيران جميعاً إلا هي ...
ضغط بأصابعه على يد أخته كطفل يطلب الحنان :مسكينة هدى ، لم تذهب معهم للجنة ...

قالت : قد نموت مثل محمد الدرة ، أو مثل إيمان حجو ، أو هدى غالية ، وقد نموت كشهداء الحصار المرضى... لكنني لا أريد أن نموت كذلك ، سنموت بطريقة نصنعها نحن

_ كأنكِ تعيدين ما كان يقوله أبي ، نعم يجب أن نموت بشكل آخر ، سأربط الكوفية على جبيني ، وأحمل البندقية حبيبة أبي ،      وأمضي بها إلى فلسطين ، وأقتل من قتل أبي وأمي ...

* نعم سنفعل ذلك ، سنقتلهم ، نحن وجميع الأطفال الذين بلا آباء الآن ....

ازدادت يديهما تشابكاً ، وأمال رأسه على كتف أخته  التي تكبره ، وأرخيا نظريهما ليجولا في العالم الذي لم يريا منه بعد إلا الكفن والدم....



تعليق.

الحوار يدور بين طفلين ، الفتاة تكبر الفتى  بعامين . طفلان رماهما القدر  بعد ان انتزع أبويهما منهما  ، ليسبحا في بحر من الأفكار التي تنم عن تفكيريهما المتواضع ... فهما سيصعدان للجنة بالطائرة ، وينتظران مكالمة من الجنة ، الأمر لا يستدعي الضحك ، فربما يتطلب البكاء على الأطفال الذين ارتسمت في أذهانهم فكرة  {الموت} ، الموت الذي يطال كل الصغار في مدينتهم ..
كثرة الدموع التي يرونها جعلتهم يعتقدون أنها كونت البحر ، وكثرة الشهداء من الأطفال كوّن لديهم أنهم يجب أن يموتوا صغاراً.
الحوار يحمل من السذاجة ما يكفي ليعبر عن مدى براءتهم وطفولتهم المُنتهكة .....
نهاية الحوار تحمل  الرفض للموت دون الأخذ بالثأر لدماء آبائهم ..

الخميس، يونيو 03، 2010

مزيج الدم والبحر ..

ميناء غزة.. زرت المكان والتقطت بعض الصور ، كان من المفترض أن ألتقط صور الفاتحين الأتراك بأسطولهم الذي يحمل علم الدولة الأسيرة ..
ولكن هذا ما التقطته الكاميرا .....


يوم اختبار الكيمياء صباحا ، وقبل التوجه للاختبار ... صُعقت بخبر الاعتداء ، الذي لم يكن متوقعا ..
كان عدد الشهداء في الصباح اثنين فقط ، توجهت إلى المدرسة وأنا أصارع  الدموع ..
لكنها هزمتني واستطاعت التغلب علي عندما سمعت _بعد خروجي من قاعة الاختبار_ خبراً مفاده أن الشيخ رائد صلاح إمّا شهيداً أو جريحاً بجراح بالغة الخطورة ..
لم أستطع التغلب على الدموع التي لطالما لبثت أصارعها لساعتين ، ولم تكن أعظم قوة لتتغلب عليها..
عدت إلى البيت وبالكاد أنقل خطواتي ، كان اليوم التالي هو اختبار الرياضيات ، لكن جاء الإضراب العام ، ليترك المدينة الأسيرة تقف يوم صمت وحزن وتوعد....
يومها توجهنا إلى ميناء غزة ، حيثما كان من المفترض استقبال الفاتحين الأتراك ...
في الطريق .. كانت اللافتات واللوحات والأعلام التركية التي تزين الشوارع ،دليلاً على مدى الاستعداد من قِبل سكان المدينة العظيمة ...
وصلنا الميناء فكانت اللوحة الأكبر " أهلاً بصناع الحرية " ، كل القوارب الصغيرة التي حملت العلمين التركي والفلسطيني كانت محتشدة على الشاطىء استعداداً للانطلاق نحو الأسطول بمجرد أن تلتقط مناظيرهم أطراف العلم الأحمر المرفرف في عنان السماء ...

(من أمام ميناء غزة )

لكن ..خيبة أمل !
اعراس الشهادة أُقيمت في المكان المخصص للاستقبال ، كما اعتادت غزة فلا "بيت عزاء" لديها  بل أعراس شهادة ، تُسمع كل العالم صوت نشيد الحرية

بدا البحر راكداً لم تكن الأمواج تداعب رمال البحر كالعادة ، لم تكن تشاكس الصخور ، بل كانت حزينة صامتة ، بالرغم من ذلك فقد كانت العزة تملؤه فقد نزفت دماء الأحرار على مياهه فزادت أريجها عطراً ، ومن يعلم ..!  ربما احتضنت أحشاؤه بعض أجسادهم ..




لكن ... ولأنّ الله عز جلاله لطيف بعباده ، فلم يرد أن يجعل المصيبة فوق رؤوسنا مصيبتين ، فبعد ست ساعات تقريباً  أذاعت وسائل الإعلام أن الشيخ لم يُصب بأذى ، بل كان ذلك شبيهه..

كان أجمل خبر أسمعه بين فوضى الأخبار المؤلمة التي اجتاحتنا ..
أحمد الله كل الحمد وأعظم الثناء على هذه المنحة الكبيرة منه ، كم نحن محظوظون ، بأن الشيخ مازال حياً ، مازال غصةً في حلق القراصنة اللابشريين



تعليق :
اليوم  تمخضت القمة العربية فولدت فأراً ، ويتمخض الغربيون فيلدون أسوداً ، اليوم فقط اقتنعت جيداً في كلمة قرأتها للشهيد سيد قطب ، والتي لطالما رددتها أبي ، كان يقول :"إن رابطة الإسلام هي أقوى من كل الروابط على الإطلاق فلا العروبة ولا الشيوعية ولا القومية ، هو الإسلام فقط.." ، تركيا المسلمة بقائدها العظيم جاءت تفتح غزة ، وأم الدنيا العربية "استحت على حالها بعد المجزرة" ، وفتحت المعبر ..، قائد تركيا يجعل استمرار علاقات دولته مع اسرائيل مشروطاً برفع الحصار ، والمتحكّم في مصر يربط إبقاء العلاقات بابقاء الحصار ..

كنت أقول لأختي بينما كنا نستمع لخطاب الخليفة العثماني .:" مستعدة أن أدفع عمري دقيقةً دقيقة ، لأرى رئيساً عربياً يتكلم بكل هذه القوة .."



بعد أن تقرأ الموضوع ، قف دقيقة غضب واقرأ الفاتحة على أرواح شهداء البحر والحرية


الجمعة، مايو 14، 2010

حذاري يا إسرائيل ... أنا ما زلت أتنفس .



الخامس عشر من أيّار ..
بينما كانوا هم يشربون نخب الدولة الجديدة ....

كان على حدود جرح الوطن ، من يكتب هذا الصك بدمه ..

كتبه جدي ليصل لي ، كي لا أنسى أنّ لي أم اسمها "فلسطين " تنتظرني كي أشق ثياب العتمة عنها ، أم تنتظر أن أرتمي في حضنها ، وأنام طويلا .....

ليست للبيع ـ ليست للسمسرة ...




ستعودون من حيث طُردتم ... هو وعد إلهي
وعدنا الله _عزّوجلّ _ أنّ الأرض يورثها لعباده الصالحين
وعدنا .. أن الظلم ومهما بلغ انتفاشه ، فلابد له من نهاية ..




هذا هو الخيار الوحيد الذي سيعيد لنا حقوقنا المسلوبة

الجهاد .. الجهاد.. الجهاد





في الذكرى الثانية والستين ، نصرخ بكل من يسمسرون بتراب الوطن ، أن لا مكان لهم بيننا

وليعلموا... السلاح في وجه العدو ومن آزره .


وحق القسم تحت ظل العلم .... فلسطين داري وأرض الجدود

عائدة إلى بئر السبع ...