الثلاثاء، يوليو 05، 2011

رُتُوش ثَانويَة عَامّة ...

"عن عامٍ قضيته " كان هذا عنوان التدوينة التي كنت عزمت أن أكتبها بعد عودتي من عام الدراسة الجميل، القبيح، اللذيذ ،الممتع ،المنهك ،المثير الممل ، كنت كلما فكرت بأول تدوينة يخطر ببالي هذا الاسم ،وأقول : سأحدثهم عن يوم طويل على كرسي المكتب المزعج ، وليلي الذي هو  أربع ساعات للنوم وعندما يزداد كرمي اهب لنفسي خمس ،
ولكن أشياء أخرى حصلت جعلتني أكتبها تدوينة أخرى ،ليس مهماً ،  ومنذ متى نحصل على بعض ما نخطط له ؟!.
في اليوم الأول :الخامس عشر من يونيو المنصرم كان العرس الفلسطيني  الكبير يبتدىء مع تكبيرات الفجر ، انهم جميعاً ...الشباب بزيهم الرمادي والفتيات بطرحاتهم البيضاء ، صحيح أنه قد شذَ البعض عن الزي الرسمي للفرح الكبير ، نعم جميعهم خرجوا مع الساعة الثامنة أو يزيد بدقائق معدودات ، يحملون في يديهم الهوية وورق الاستمارة وأقلام ، وفي عقولهم محتويات كتب عكفوا عام كامل على دراستها ، وعلى كاهلهم حلم وطن كبير أثقلهم بأمنياته منذ الميلاد .
مثلهم خرجت بشالي الأبيض ، فأنا ما احببت يوماً أن أخالف هذا الزي الذي أحبه وأبغضه معاً ، لم أكن خائفة كمثل غالبية الطلاب ،  فهذه المرحلة تشكل الرعب الأكبر في حياتهم ، والحمد لا يرجع إلا لله ثم ربما لاستعدادي الذي أظنه كان كاملاً، كانت لغة عربية جلسة أولى ، وهنا انتابتنا الصدمة ، انها لا تشبه أيّا من النماذج الكثيرة التي  أجبناها ، إن الشكل جديد والأسلوب جديد ومستوى الصعوبة غير الذي اعتاد الجميع عليه ، هوننا على أنفسنا الأمر وقلنا عساه يكون هو فقط كذلك ، وعلى الرغم من أدائي الجيد إلا أنني لم اكن راضية عن نفسي ، وتوالت الاختبارات ، على نفس الوتيرة من التجديد في الشكل والمضمون ، حتى وصلنا للاختبارات التي تفرق بين قسم الأدبي والعلمي ، فما سبقها من خمس اختبارات كان مشترك بينناا ، كان الرياضيات جلسة اولى وكانت الصدمة الأكبر لنا ، لا بأس اعتدنا على هذا الأسلوب الذي لم يبرره أحد ، توالت الاختبارات من كيمياء وادارة وأحياء ، وكل يوم يسوء المستوى ، وصلت نفسياتنا إلى حد الاحباط ، البعض لم يكن يمتلك أعصاباً تجعله قادراً على  التحمل ، فأثرت الاختبارات الأولى على التي تلي تلتها فأخفقوا فيها جميهاً ، وصلنا إلى الاختبار الاخير ، فيزياء للقسم العلمي وثقافة علمية للقسم الأدبي ، قلنا عساه يكون الأخير جيد وكما يقولون ختامها مسك ، وعلى صعيدي ولا أخفي عليكم أنني كنت أعد نفسي طوال العام لأحصل على الدرجة الكاملة في الفيزياء ، اجتهدت كثيرا في هذه المادة حتى أحببتها ، بل عشقتها ، كابرت على الاحباط وتوجهت في الرابع من يوليو من الشهر الجاري إلى  المدرسة ، في التاسعة صباحاً كالعادة ، الشرطة على الباب لضبط الأمن ، الاسعاف حول المدرسة خوفاً من حالات الاتهيار ، يتم توزيع دفاتر الإجابة ، نكتب البيانات على الورقة التي سيتم اخفائها فيما بعد وقت التصحيح ، ثم تأتي أوراق الأسئلة في سيارات حكومية محمية بسيارات الشرطة ، في التاسعة ودقيقتين تم توزيع ورق الاختبار لنرى ما رأيناه في الأوراق السابقة ، أصابني اليأس ، إنني لن أحصل على الدرجة الكاملة في الفيزياء ، بذلت كل ما في وسعي ، كانت الساعتين ونصف "حصاد العام الكامل" تشارف على الانتهاء ، لا أنسى أنني ضربت الطاولة بأطراف أصابعي ، كانت ضربة خفيفة ، ولكن لفتت انتباه الجميع المتوتر في تلك القاعة التي لا تسمع فيها إلا أزرار الآلة الحاسبة تُضرب بشكل سريع متتال.
 الحادية عشر والنصف نستعيد حريتنا كما كنا نقول أنا وكل طلاب الثانوية العامة مازحيىن ، بأننا نستعيد حريتنا في ذلك الوقت .
خرجت من القاعة قبل انتهاء الوقت بأربع دقائق لأنال شرف الخروج بنفسي ، قبل ان تاتي احدى المراقبتين تطلب مني دفتر الاجابة غصباً.

العام الذي عشناه كحرب انقضى والاختبارات التي عملنا لأجلها ليلاً نهاراً انقضت أيضاً ، ولكن من حق كل طالب تقدَم لهذه الاختبارات أن يتساءل عن التغير اللامسبوق في اختبارات الثانوية العامة ..
صرَح أحدهم في وزارة التربية والتعليم على أن الأمر مقصود لتخفيف نسبة الخريجين من الجامعات بدون وظائف ، على ما يناقضه ، نفى وكيل تربية غزة هذا الامر وجزم أن الاختبارات كانت عادية وطبيعية،مشرفون في التعليم قالوا بأنه منذ خمس عشرة سنة لم يتقدم الطلاب في فلسطين لأصعب من اختبارات 2011  .... لا بأس اعتدنا على التضارب في الانباء عن حدث واحد ، ولا سيَما زيارة د.عسقول "وزير التربية والتعليم سابقاً" لمدرستنا يوم اختبار الكيمياء ، يومها قال بأنهم سينظروا في شكوانا .

ولكن آخرون أرادوا ان يلعبوا بالمشاعر ، فقالوا :"لأجل الوطن " ، نعم اختبارات صعبة بشكل غير معقول لأجل انتاج جيل قوي قادر على حماية هذا الوطن ،لم أدرِ وقتها هل أصدقهم أم لا ، وإن أردت تصديقهم فكيف أقنع نفسي بأن طلابا حُطمت آمالهم في الحصول على التخصصات التي كانوا يحلمون قادرين على بناء الأفضل ، وأقول لِمَ لا أصدقهم فربما كانوا صادقين ونظرهم أبعد من نظرنا ...

على كُلٍ .. هناك أشخاص يهبون أجسادهم ليصعد عليها الوطن ويعلو ، فهل أبخل بأيامٍ سهرتها لأجل أن يرقى هو ..
ولكن ماذا لو كان سيصعد على سهرنا آخرون ويبقى الوطن في الأسفل ؟؟
ربما يتقلب  ذاك الوطن المتورم بالفساد ويفتح نصف عينه اليمنى ويقول :"تباً ...لم اطلب منهم ان يفعلوا بأبنائي كل هذا " ، ويعود ليغفو ثانيةً ...

لن أخرج في المظاهرات الاحتجاجية المنددة بأسلوب الاختبارات التي تجوب شوارع المدينة وتتمركز بالميدان في وسط البلاد.
سأنتظر ... ليس يوم النتائج.
بل يوماً أرى فيه الكبار يعملون لمصلحة الصغار الذين سيصبحون فيما بعد كباراً.