السبت، أغسطس 21، 2010

من قال إنّنا قوم لا نجيد صناعة الفرح ..!


تقديم .
بعد مرور الثلث الأول من شهر رمضان تأكدت بأننا قومٌ نجيد صناعة الفرح ، أقول صناعته .....

الموضوع.
الآن تساوينا مع الآخرين ، شيءٌ يوحدّنا مع هذا العالم ويجعلني أراجع شعور الانتماء أو الوجود في هذا الكون ، رمضان جاء ليس لأنّ معبر رفح كان مفتوحاً آنذاك ، لا بل لأنه صاحب عزيمة كالقوم الذين قدم عندهم ، ولو أنّ الأبواب كانت مؤصدة لجاء أيضاً كما فعل العام الماضي ، وهو كذلك لن يذهب عمّا قريب بسبب انتهاء مدة اقامته ، أو بسبب التوقعات الرامية لحدوث حرب ، فهو لا يخاف ، سيذهب أيضاً بمحض إرادته .
هو جاء ونحن قومٌ كرام أبناء كرام ، لم نكن لنخذله ونُشعره بأنّه غير مرغوب فيه - لا سمح الله - ، فمن استطاع أن يخفي حزنه أخفاه وبدى سعيداً مستأنساً بالضيف الكريم ، من له أسيرٌ أو جريحٌ أو شهيدٌ  ربط عبى جرحه وقاوم ، خلط الدمعة بالابتسامة ، فليس من طبعنا ادمان الحزن ...

كما يقول الجميع الأطفال أولاً ، أقول أنا أيضاً أنّهم كانوا كذلك في استقبال الضيف ...
أحدٌ ما لم يمنعهم من الابتهاج والفرحة واطلاق "صواريخ رمضان " ، جابوا الشوارع  ، هلّلوا وكبّروا ، وتعالت أصواتهم في مساءٍ هادىء .. ، أقول في نفسي وقتها :"سبحان الله اسمها "صواريخ رمضان "  لها من الصواريخ التي اعتدنا عليها اسمها ، ولها من الفسفور الذي أحرقنا شكلها ، ولكنّنا رغم ذلك ما زلنا نستخدمها ، ربما لأننا كما يقولون عنّا  (جبّارين) ."






لن أقول للإبداع مكان في بلدي ، بل له كل الأمكنة ، البارحة كان أكبر طبق مسخن في العالم ، ثمّ أكبر عدد من الطائرات الورقية ، والآن في استقبال رمضان أكبر فانوس في العالم ليدخلوا جميعاً في موسوعة غينيتس  ليحطموا الأرقام القياسية ، كما حطمّوها من قبل في الصمود ...


  

أرأيتم أننا نجيد صناعة الفرح حتّى لو أنّنا لم نكن نمتلكها ، كتلك القذائف التي افتقرنا لها فأصبحنا نصنعها لنرمي بها عدو الله وعدونا ، واليوم نصنع الفرحة لنقتل بها عدو الله وعدونا


رمضان هذا العام كالذي مضى ..

أيمن نوفل مع رفاقه في السجون العربية المصرية .. وصامدون.
يحيى السنوار وآلاف من قومه في السجون الاسرائيلية .. ومستعدون للضحية.
محمد وأحمد وخالد في المشافي يداوون جراحهم ... وينذرون ما تبقى من أجسادهم لجولة أخرى.
مؤمن الخزندار وآخرون أصبح ما تحت التراب مسكنهم ... يتمنون لو تُعاد لهم أرواحهم ليبذلوها ثانية.
نواب القدس ، بين الإبعاد والصمود ... ولن يغادروا .
لاجئو نهر البارد ... الإعمار حتى إشعار آخر .
اللاجئون على الحدود السورية العراقية ... رمضان في خيام الصحراء له طعم آخر .
لاجئو الشتات "أردن ،عراق ، لبنان ... .."  ..... أحلم بك يا وطني .

نسيت أن أقول لكم جميعاً  " كل عام وأنتم بخير "

الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

إلى مسافرة .


كَمَن يرفع ثوباً بالياَ عن جسده  ويقذفه أرضاً مستبدلاً إيّاه بالمعاطف الثقيلة والنظارات السوداء العريضة ، اقتلعتِ الوطن من الذاكرة وقذفتِيه تحت عجلات طائرات ضجّ بها المطار ، ليكون إقلاعها كفيلاً بقتله فلايعود ثانيةَ يركض خلفكِ  في محاكم الضمير يطالبكِ بتعويض قدره "إخلاصٌ"  عمّا أنفقه من عمره في تربيتكِ  وتحمّل ما لا يُطاق من أجل كرامتكِ ...

سيدتي ... لا تصخبي بتلك الملاءات السوداء التي غطت جسدكِ كله إمعاناً في التقوى ، تستطيع العيون أن تكشف ملخص القلب والعقل معاً ، وها انتِ فشلتِ في إخفائهما في جملة ما تخفين ...

أقولها لكِ ، بوجهكِ : ما عدت أحتمل وجودك على صدر هذه الأرض حتّى وأنتِ في معبر المسافرين ، فاحزمي أمتعتكِ واجمعي ذاكرتكِ ، احملي حقائبكِ على كاهلكِ أو على كاهل ضميركِ ، فليس هذ ما يعنيني ..

سيدتي .. عطركِ النسائي الذي غزا ما تحت سمائنا الصغيرة يستفز كل من لم يأتِ إلى المطار مودعاً إياكِ ، وربّما بعض الذين جاؤوا بحكم القرابة أيضاً ، فلملمي كل ذرة هواء تشبعت من عطرك واجمعيها في حقائبك التي ستصبح قريباً في بلاد الله البعيدة ، وإن لم تفعلي فالهواء كفيل بتنقية نفسه منكِ ..

كلّنا ضقنا ذرعاً بكِ إلا هذه الأرض التي تحملكِ والتي شهدت حماقاتكِ التي ارتكبتِها أمام ناظريها منذ جئتِ إليها بقلبٍ تَغَلّب على سماء الربيع في الصفاء - آنذاك - ، إلّاها ما زالت تحنو عليكِ كأمٍ عقّها ولدها ، وما زال في صدرها دعاءٌ تلهج له به كلمّا لامس جبينها الأرض أم لم يلامس ...

أرأيتِ ..! ، ما زالت تحتضن جذور شجرة الزيتون التي حفرتِ اسمكِ على جذعها يوماً ، لم تنفك عن حمل الجدران المعلّقة عليها صوركِ ، لم تقذف ذكرياتكِ وكل ما شهد على مروركِ عليها ، كما انتِ فعلتِ بها حين لم تقيمي لها وزناً وقررتِ المغادرة ، وتركتِ النقوش على الذاكرة هكذا يتيمة ، تسأل : أين أصحابي  ،، فيُجاب : أكلهم الذئب الذي أكل ليلى في حكايانا القديمة .... ، تفعل هذا كله لتبرئتكِ من خصلةٍ أنتِ اخترتها لنفسكِ برحيلكِ هذا ..

هي كذلك تمعن في الوفاء حين يتفانى الآخرون في الخيانة ، أتتخيلين ! ما زالت مصممة على حملك على صدرها حتّى في " قاعة المغادرين" في مثواك الأخير فيها ، ليس أنتِ فحسب ، بل وحقائبك التي جمعتِ فيها كل ما لايستحق الحمل ، فهناك حيث تذهبين يوجد مثل ما حملتِ فيها  ، ما زالت تحنو عليكِ هي تعرف أنكِ تخونين ولكن طبعها لا يرتضي أنّ في الكون شيءٌ يُسمّى العقوق ....

كما قذفتِ هذا الوطن جانباً ، غداً تقذفكِ بلاد الغربة بعدما أن تمتص منكِ شبابكِ وقوتكِ ، وقتها ستعودين إلى هنا ، إلى الأرض التي تركتيها يوماً ، لأنكِ آنذاك ستتذكرين أنّها أمكِ ، وهي لن يكون بوسعها إلا احتضانك مرة أخرى رغم عقوقكِ الذي عققته ، لأنها أمنا فلن ترفضكِ حين تعودين ...


تعليق ...

"إلى مسافرة " .. كلمات إلى فتاة أعرفها ستترك المدينة - مدينتنا - لأنها ستتزوج في الخارج ..
قد يقول البعض أنني بالغت في توبيخها ولكني أشعر بقشعريرة عندما أعلم أن أحداً ما سيترك هذه الأرض للأبد ، ويستقر في الخارج ..

الاثنين، أغسطس 02، 2010

أَتَذَكّر إنّي أَتَذَكّر .


أتذكر إني أتذكر ...

هو عنوان لقصيدة درسناها في الصف الثامن "أتذكر إني أتذكر الدامون لياليه المرة والأسلاك، والعدل المصلوب على الشباك .."
هذا ما علق بذاكرتي من تلك القصيدة التي شرحت -ربما - بعض ما سأتذكره في تدوينتي هذه ...

قبل عشرة أعوام .. عام 1999 ، كانت الساعة التاسعة صباحاً ، أثناء الحصة الثالثة ، ،كانت معلمتنا "أمينة" ، تقف أمام السبورة الخضراء الداكنة ، تحمل أصبع الطباشير الأبيض بين سبابتها وابهامها ، بينما تضع الملون داخل قبضة يدها ، كانت تشرح درس اللغة العربية في ذاك اليوم  ،  تمشي من بداية غرفة الفصل وبخطوات هادئة تناسب أسلوب الدرس آنذاك ، حتى تصل نهايته ، وكل مرة تمر من جهة مغايرة للأخرى كي تمنح جميع الطلاب والطالبات نفس الاهتمام  ، في ذلك الوقت كنت أجلس على طاولتي ، أضع يدي ّعلى خديّ  استغراقا في الانتباه للدرس الممتع ، فيزيد ذلك من بروز الجدلتين على جانبي رأسي  ، كل واحدة منهما كانت مربوطة بشبرة بيضاء على شكل فراشة ، مما يشجع الجميع لمناداتي بالقطة . أذكر تماماً ..

كنّا لا نسمع يومها إلا صوت الآنسة أمينة التي نجحت في اجتذابنا لها ، ولكن لم يدم الأمر على ما هو عليه ، صوت صفارات الانذار بدأ ينطلق من غرفة الناظرة ، كان قد تم تدريبنا فيما سبق على "الإخلاء " أثناء سماع هذا الصوت المُنذر بالسوء ، بدا الخوف على وجوهنا الطفولية ، وخصوصاً بعدما علا صوت القصف ، وهتافات الناس المذعورة في الشوارع المجاورة للمدرسة ، - كالعادة - استلقينا أرضاً ، وطلبت منا الآنسة أمينة التزام الهدوء لأنها ليست المرة الأولى  - كما قالت - ، نزلنا جميعاً من الطابق الثالث إلى الطابق الأول -كما كان متفق - ، نزلنا الدرج بشكل سريع حذِر ، وبينما كنّا نركض كنت أرى ذلك العلم الأزرق الذي ما فتأ يرفرف فوق السارية منذ دخلت هذه المدرسة ، كان يسخر منّا جميعاً ، أحسسته وكأنه يقول : هذه ما دبرته لكم أنا والمنظمة التي أمثلها ، يوماً رأيت أجدادكم يهربون من بيوتهم تحت وابل النيران ، واليوم أنتم - الأحفاد - دوركم أن تركضوا من تلك الفصول ذات الأبواب الزرقاء ... ، كم تمنيت تمزيقه ، لكن لا أملك كطفلة في عامي السابع سوى الالتزام بما تمليه ادارت المدارس التي تعلمنا - كلاجئين - ، وعليّ أيضا أن أرضخ للعلم الذي يحلق دوماً في سماء المدرسة ..


استكملنا الركض ، كل مجموعة من الفصول تنزل من الدرج الأقرب إليها ، حتى أصبح الطلاب والطالبات جميعهم في الطابق السفلي ، بعضنا كان هَلِعاً وأما الآخرون فلم يبدو الاكتراث على محياهم إلا قليلاً ، كنّا نسمع بين الفينة والاخرى من المعلمات أنّ اجتياحاً للدبابات الصهيونية قد اقترب من جهة المدرسة ، آنذاك لم تكن إسرائيل انسحبت بعد من قطاع غزة ، فخطر الاجتياح كان محدق بنا في كل لحظة ..

يطول الوقت ونحن جالسين على ركبنا في الممرات بين المقاعد ، مرة نبكي معاً ومرة أخرى نضحك رغم الموقف ، عندما تبكي بنان أو هالة  وتطلبان أمهما كان ذلك يثير سخرية الطلاب الذين اعتقدوا أنفسهم بيننا رجالاً في مثل هذا الموقف ، بل كان مروان يقفز بين الطاولات مستفيداً من انشغال الآنسة أمينة والآنسة زينب في تهدئة بعض الطالبات ، كنت وقتها ذات موقف محايد أ لست مع اللواتي يبكين طلباً لأمهاتهم ، وأيضاً لست من هوؤلاء الأشقياء الذين ما انفكوا عن إثارة الشغب حتى في مثل هذه المواقف العصيبة .. ، كنت أجلس أتأمل :" أخواتي في المدرسة المجاورة ، ماذا عساه حلّ بهم ، أنا الصغيرة فيهن ، لابد أنهم الآن قلقين عليّ ، وأمي الآن في البيت مع الصغيرين أحمد ومحمد ، هل وصل نبأ الاجتياح لها ..! ، هل لجأت لجدتي أم بقيت في البيت ، والمدرسة التي يدرس فيها أبي هل يسمعون الآن صوت الصواريخ والقذائف فيها ...؟ " ، ثم أعود ثانية للواقع على صوت صاروخ يهز الغرفة ، فيصمت الجميع ويعلو صوت البكاء ، ثم ما يلبث الوضع إلى أن يهدأ ، فأنشغل أنا بالجدلتين اللتين على جانبي رأسي ، كنت أخاف دائما أن يفسد شكليهما أحد الطلاب كثيري الحركة والشغب ...

بعد أن يمضي الكثير من الوقت ربما ساعة  أو ما يزيد عنها بنصف ساعة ، يكون صوت الانفجارات بدأ ينخفض مما يعني أنهم ابتعدوا ، وبعد أن تطمئن إدارة المدرسة على الجميع تسمح لنا بالعودة فوراً إلى بيوتنا مشترطة في ذلك السرعة وعدم لمس الأجسام المشبوهة أو الألعاب أوحتى قطع الشوكولاتة والحلوة والسكاكر إذا صادفتنا في الطريق ، درسٌ حفظناه من أمهاتنا قبل معلماتنا ، فيتجه الجميع إلى البيوت ليشهدوا ليلة أشد ذعراً ، وليستمعوا إلى أصوات أكثر رعباً ...

هذا السناريو لم تكن إسرائيل لتحرمنا منه أبداً ، بين كل فترة وأختها ، يُعاد هذا المشهد ، وبقي معنا ولكنه يتطور يوماً بعد آخر ، حتى صنعت منّا أطفال بعزيمة الرجال ، بعمر عجوز عاشت النكبة ، أطفال يحملون بين حنايا قلوبهم وطن .

" أتذكر إني أتذكر الدامون لياليه المرة والأسلاك ، والعدل المشنوق على السور هناك ، والقمر المصلوب على فولاذ الشباك ..."

عندما كنت في الصف الثامن بعد مرور سبع سنين على ما ذكرته ، كانت الآنسة سماح تختارني دوماً لألقي القصيدة في بداية الحصة ، وذلك لإبداعي في هذا الأمر - كما تقول هي - ، فأقف أمام الطالبات وأنظر من النافذة إلى العلم الأزرق نفسه الذي سخر مني يومها ، وأردد المقطوعة الأخيرة من القصيدة بغضب تحمر له وجنتاي :

ياشعبي...


ياعود الند..

يا أغلى من روحي عندي

إنا باقون على العهد

لم نرض عذاب الزنزانة

وقيود الظلم ,وقضبانه

ونقاس الجوع وحرمانه

إلا لنفك وثاق القمر المصلوب

ونعيد اليك الحق المسلوب.

و(نطول) الغد من ليل الأطماع

حتى لاتشرى وتباع!!..

حتى لايبقى الزورق... دون شراع!!..



وتعزف في أذني مع تصفيق الطالبات نشيد :


مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي


الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ

فـــي رُبَــاكْ فــي رُبَـــاكْ

والحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ

فــي هـــواكْ فــي هـــواكْ
هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ

سـالِماً مُـنَـعَّـماً وَ غانِـمَاً مُـكَرَّمَاً

هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ

تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي