الجمعة، أبريل 16، 2010

فكيف تمضي بلا ماءٍ إذاً سُفني ...؟

اليوم وبينما كنت أقوم بتحضير دروسي – كالعادة ــ وصلت إلى كتاب اللغة العربية ، تناولت الكتاب وأخذت بتقليب أوراقه حتى وصلت إلى الدرس ، كان مُعَنْوَن ب " من خطبة المسجد الأقصى " ، تنهدت تنهيدة طويلة ثم بدأت أقرأ الكلمات بتمعنٍ شديد ....

آآآه سيف يمزق قلبي إرباً إرباً ، المسكين يعتصر ألماً ..
لم تكن كلمات الخطبة هي التي تبكي قلبي ، فالدرس مُدْرَجٌ في وحدة "الأدب في عصر الحروب الصليبية " ، إنها تحمل كل كلمات النصر والابتهاج التي فاض بها قلم الكاتب إبّان فتح المسجد الأقصى ...


أتخيله الآن ، نعم إني أتخيله يقف على المنبر ، وأيّ منبر .. ؟ ، إنه منبر المسجد الأقصى ، والناس تحتشد في المسجد ، والقائد الفاتح صلاح الدين أبرز الحاضرين ، أراه يلقي هذه الكلمات التي أقرأها ، يستمد القوة من عيني القائد الفاتح ، الذي يجلس في أول صفوف المصلّين ،


يا إلهي .. إنها الجمعة الأولى التي يرقى فيها مسلم المنبر منذ سنين طويلة ، الجمعة الأولى التي لا يتبختر فيها خيول الصليبيين في باحات المسجد ، أيُّ عزٍ هذا ، أيُّ نصرٍ مبين هذا الذي أكرمهم الله به ..


هي نفسها الكلمات التي صدح بها القاضي "محيي الدين " ، ترتسم بحروف اللغة العربية على صفحة الكتاب ، وصورة المسجد الأقصى المعلقة في منتصف الجدار تبكي


لا أكذب ... لا أتخيل ... إني أسمعه ، إنه يجهش ، علا صوت نحيبه ، هاهو يملأ المكان ، بل يعلو ويعلو ليملأ الكون عرضاً وطولاً .. والله إني أسمعه ، ها هي الأبواب أمام ناظريّ تنزف دماً أحمراً قانياً .. ها هو المنبر المسكين يحترق ، وشجرة الزيتون بجانبه ابيضت عيناها من الحزن ..


مددت يديّ إلى الصورة الباكية ، :" خذني عندك ، فأنا أحبك ، أحبك وسأفعل كل ما بوسعي لأكفكف دمعك " ، ولكن ما به لا يجيب ..يبدو أنه يئس من كل هذا الكلام الذي بات يتردد على مسامعه ..." لكن صدقني أنا لست مثلهم ، أنا صادقة وحبي تكوّن منذ الأزل " ، ما زال يرفض النظر في عينيّ الغارقتين في الدموع ..
استمرّ صمته....


اليوم مُختلف عن الأمس ، فصلاحُ افترش التراب واحتضنت جسده الأرض ، والمنبر الذي وقف عليه القاضي ..بات يئن ، أما الباحة التي احتشد فيها المصلون ذاك اليوم ، تعربد فيها خيول بني صهيون ، والمدينة المسورة التي احتفلت بفتح القدس ، اليوم يحتفل محتلوها بافتتاح الكنيس الجديد بجانب مسجدنا ، والمسجد الذي تفننّ المروانيون في تزيينه ، بقروا اليوم بطن الأرض التي تحمله على أكتافها ، وهزة واحدة أصبحت كفيلة بإردائه قتيلاً ..






في الأمس أنشد الشعراء :


هذا الـــذي كانـــت الآمـــال تـــنــتظر            فليوف لله أقوام بما نـــذ روا


يا بهجة القدس ! إذ أضحى بها علم الـ           إسلام من بعد طيّ وهو منتشر


الله أكبر صوت تقشــــعــــر له شـــــم           الذرى ، وتــكاد الأرض تنفطر


أضحى بنو الأصفر الأنكاس موعظة             فيه لأعدائك الآيـــات والنـــذر


صاروا حديثا وكانوا قبل حادثــــــة             على الورى يتقيها البدو والحضر








واليوم ينشدون ..


يا قدس ما لي أرى في العين اسئلة           على بحار من الامواج تحملني




ما لي ارى قسمات الوجه شاحبة               وقد علتها جراح البؤس والوهن


وفوق سورك احجار وأتربة                  صب الزمان عليها ابشع المحن


ارنو اليها ولا ادري اتعرفني               ام انها مع دجى الايام تنكرني


وكنت قبل تجافينا أعانقها                    دوما وأشبعها لثما وتشبعني


واليوم شاد عليها البوم منزله                  وصرت فيها غريبا دونما سكن


فهل تعود ليالينا التي سلفت؟                وهل تموت بنا الشكوى من الزمن؟؟


وهل أراك برغم القهر مشرقة ؟         وقد توارى الضنى عن وجهك الحسن ؟


فألثم الثغر والأشواق تغمرني               ومن فؤادك نار الحب تحرقني


وانظم الشعر بعد الوصل مبتهجا          وفرحتي بك فوق الغيم تنقلني


انا احبك يا محبوبتي ابد                     وحبك العذب يحييني ويسعدني


فكيف أحيا بدون القدس ثانية ؟           وكيف أهدأ والهجران يسحقني ؟


انا السفين وانت البحر ملهمتي  .        فكيف تمضي بلا ماء اذن سفني؟؟ .


فكيف تمضي بلا ماء اذن سفني؟؟
فكيف تمضي بلا ماء اذن سفني؟؟
فكيف تمضي بلا ماء اذن سفني؟؟


لن تمضي بلا ماء سفني ...