السبت، مارس 23، 2013

يَا وَطَنَاً كُنْتَ يَوْمَاً كَأُمّي ..




يا وطني الرائع يا وطني ..

يا وطنا صرتَ يوماً كأمّي ، كنت أحبك كمراهق –صدقني- ، كان يدق قلبي لو أسمع اسمك ، لا تغيب عن خيالي في صحوي أو نومي ، كنت لو راودتني فكرة السفر وترك ترابك أبكي ، كنت أرى أن لا شيء يستحق حبي كمثلك..


كنت وقتها رائعاً ، تُشعرني بغناك رغم حاجتك ، كنت تدفئنا نحن الصغار رغم بردك ، كنًا في أحلك ساعات الظلمة نراك منيراً
كنت أرى فيك المثل القائل "تموت الحرة ولا تأكل  بثدييها " ، وكنت أراك وحدك تقف في وجه الطوفان الجارف ، تحاول رغم صغرك مجابهته ، فتنجح ! فقط لأنك كنت صادق.

ولكن ، مالكَ يا وطني أراك انتفخت ، ليس انتفاخ شحمٍ بل ورم!
ترهلت وبدت التجاعيد على وجهك الذي كان كوجه فتاة تُنعت ببدر البدور ،  أصبحت تمتلك معدة سيئة تتقبل كل جيد وفاسد من الطعام ، لا ترفض شيء ، ولأنك كنت تشترط الجميل ، فانهم يغلفون لك القبيح بالأوراق الملونة ، وأنت تعلم أنه قبيحا ، ولكنك تتقبله.

مالك يا وطني بدأت تحتضن بين ذراعيك الفساد ، بعد أن كنت وهو ضدّان لا يلتقيان ، أصبحت مرتعاً للوساطة والمحسوبية والنصب ..
كانت بوابتك هي أسمى ما يتمناه كل نبيل ،كان الدخول منها إليك نصراً من أحرزه  فله كل ألقاب البطولة ، له كل زغاريد النساء الشريفات ..

فمالي أرى بوابتك اليوم  صارت ممرا لقوافل تأتي لتبيت في أبهي الفنادق وتأكل خير الطعام ، تُنشىء مؤتمراً وتنصرف ، صارت ممر المنشدين الراقصين ، والممثلين والمغنيين ، من أراد أن ينشأ ألبوما يأتي إليك ليجمع حوله الخلق المغفلين ، وباسم الوطن –يعني اسمك أنت – يهزون أكتافهم ، وان لم تكن أردافهم على ألحان موسيقى ، أحدهم أفتى بحلّها ، ويعصون الله فيك يا بلد الطهارة يوماً كنت

وأنت بلا غضب ، بل بكل رضى تستقبلهم تقبّل رؤوسهم وتنحني لهم ، تصفق بشدة،و تعطيهم وسام شرف في عنق كل واحد منهم ،
أخاف أن يستمر انحدارك الذي قد ابتدأ ، وأراك يوماً تحمل بندقية محشوة برصاص مزيف ، ترقص بها مع عدوٍ لنا جاء يعطيك دعماً ، كالذي رقص بالسيف المهين مع قاتل أطفال العراق ..

وصدّقني أول الانحدار هزّة كتفٍ على صوت نغم.
أيها الوطن العظيم ، يوما ما شدّت عظمتك أنظار كاميرات العالم ،
واليوم تتصيد هذه العدسات زلّاتك وعثراتك ، تشهّر بك ،باتت تنشر غسيلك القذر ،

يا وطناً كنت أمي وأبي ، كنت أنا ، كنت هواءً ينعش صدري 
حنانيك لا تتحول لزوجة أب تتحين الفرص لتكيد لأبنائه ،
حنانيك لا تتحول إلى أول أكسيد كربون ، نستنشقه ، فنختنق ..
حنانيك يا وطن ، عد كما كنت ، ولكني أعدك لو عدت أنني لن أعد لأحبك كما كنت ، فيا وطني الذي كنت جميلا ، من وجهك القبيح ، تعلمت ..




الخميس، فبراير 07، 2013

سَأَكُونُ يَوْمَاً البَلْسَمَا



هناك على مكتبي ، مكان تعبُّدي ، حيث أقترب إلى الله أكثر ، كلّما ازدتُّ تركيزاً واندماجاً مع كتبي ...

إنني أحب العلم ، أحب الدراسة ،أشعر بالمتعة حين يكون كل تركيزي بتلك الصفحات وما تحمله من علمٍ أشتهيه .

أحياناً أعجز عن فهم موضوع معين ، أو تُربكني مادةٌ بصعوبتها ، أقترب من اتخاذ قرار بترك هذا الموضوع ، بل وأحياناً ينتابني الملل من ساعات الدراسة الطويلة ... ولكن وقتها ، وقبل أن أسمح لشيطان الفشل أن يوسوس لي ، تجيء بمخيلتي صورة _إنني أنا أرتدي ثوبي الأبيض وأقف في ممر مشفى ، ومن بعيد أشخاص قادمون نحوي مهرعين ينادون "دكتور سجود ، دكتور سجود ،إنها حالة طارئة"- ، أبتسم ،

أدعو في نفسي : اللهم اجعلني لعبادك المرضى رحمةً ، بلسماً وترياقاً ،
 وأعود لمواصلة دراستي بنشاطٍ ...




الثلاثاء، نوفمبر 20، 2012

سلامٌ على الطفولة ..سلامْ .

تنبيه قبل القراءة : لا تُمنع أي فئة من مشاهدة هذه التدوينة ، سواء الأطفال أو النساء أو الشيوخ .
.
.
.
قبل البدء .


سلامٌ يعتنق أرواحكم ، سلامٌ لا يشبه السلام الذي يتحدث عنه العالم ، لأنه سلام قبيح ، ليس جميلاُ كوجوهكم الملائكية ،
 انطلقي أيتها الأرواح إلى حيث لا تعبٍ ولا نصب ، إلى حيث لا صواريخَ ولا رصاص ، إلى حيث لا خُطبٍ للعرب ، انطلقي أيتها الطفولة  إلى حيث المكان المناسب لبرائتك ، انطلقي إلى الجنة ، هناك حيث العدل السرمدي.

"أطفال عائلة الدلو ، حيث تم استهداف المنزل بأطنان من القنابل بدون تحذير واستشهد احد عشر فلسطين فيه كلهم نساء وأطفال عدا رجل واحد "
.
.
وبعد الطفولة

افتحوا جميعاٌ اعينكم ، لماذا وضعتم أيديكم عليها ؟؟ لماذا أخفيتم الشاشة عن عيون أمهاتكم ،زوجاتكم وأبنائكم؟؟ 
هل خفتم عليهم !، هل المنظر بشع ؟

لك الله يا أم الشهيد ، كيف ستقبّلينه وقت الوداع !!
.
 كان بشراً ،صار فحماً ،  لا بل صار روحاً زكية يفوح عطرها في السموات العلا ، إنه عريس ، العريس الذي تزفه الآن السموات السبع وجنانها ، إنه جميل ، جميل إلى حد يغري حواري الجنان أن يتنازعن لاستقباله ، ولكن انتظري أيتها الحوريات ، فباب السماء متسع لكنّ جميعاً ..

" الصحفي الذي يجاهد في لواء (فضائية الأقصى) ، كان يتوجه وصديقه من التغطية في مشفى الشفاء إلى التغطية في مكان آخر ، فاصطادتهم آلة الحرب ، بصواريخ أحرقت أجسادهم "
.
.
.
عودة إلى الطفولة ، التي أضحت .... قل لي أنت ، بربك ان بقي لديك شيء يقال ..



ما هذا ؟
إنه درس تشريح ، في كلية الطب ... كلّا ، فما كهذه الجثث في مشارح كليتنا !!
إنها أشياء - يا عزيزي - لا تُقال !
كانا نائمين ، يستيقظان كل بضع دقائق على صوت غارة ، 
وفي كل مرة ، تقول امهم : عودوا للنوم ، إنهم يقصفون أماكن خالية !
فيعودون للنوم ارضاءً لأمهم ،
يتكرر ذلك كل ليلة  الكثير من المرات ، 
في المرة الأخيرة ، سمعوا صوت الغارة ، فاستيقظوا ، قالت لهم أمهم على غير العادة : استيقظا ولا تناما بعد هذه ، فنحن انتقلنا إلى الخلود ... كانوا في الجنة !

واستكمالاً مع الطفولة .


" بابا .. شايف اديش أنا حلوة ، مالك يا ماما زعلانة ، ليش بتطلعي فيني هيك ! ، انا زعلتك اليوم ؟ انا سكبت الأكل على أوعيّ الحلوين ! ، لا يا ماما ما عملت شي ، طيب ليش بتطلعوا فيني هيك ؟ 
ماما ، بابا ، أنا في الجنة مو محروقة ، أنا في الجنة حلوة كتير كتير ، بس تيجوا بتشوفوني ما أحلاني "
.
كلا الصورتين لعصفورة .. فهل هذا شيء يُعقل !
نعم يا سيدي ، في غزة كل شيء معقول ..
هنا .. لم يغتالوا الطفولة فحسب ، بل حرقوها ، شوهوها ، أحالوها فحما ...!





"أختي ، لقد نمنا معاً ، واستيقظنا على صوت الغارة معاً ، وجاؤوا بنا إلى المستشفى معاً ، فأين تذهبين ! ، لمَ لست معكِ الآن ، أمنا وأبونا على سرير آخر ملفوفين بغطاء أبيض كله بقع حمراء وسوداء ، 
أستغرب ، كيف لم يستيقظا بعد على صوت القصف ، وكيف يبقوا نائمين ، وهذا الرجل يصحبكِ إلى مكانٍ بعيد ،
اختي .. خذيني معك "



" انا سعيد أيها العالم  الاحمق ، سعيد رغم ان الدماء تغطي وجهي الوسيم ،
سعيدً لأنّ دمائي هذه سالت لأجل القضية ، القضية التي أعرفها بكل تفاصيلها "

سلامٌ على الطفولة ، سلام 


.....
أنا لم أتعمد البحث عن الصور المؤلمة هذه ، لأن كل صور هذه الهجمة الصهيونية كانت بشعة ، مؤلمة ، إلى حد البكاء ن إلى حد الحقد 
.
إنه اليوم .. يوم الطفولة العالمي ، وهذه هي الطفولة في بلادي












الأحد، نوفمبر 11، 2012

عَلَيْكِ سَلَامُ اللّهِ .. سُوريّا



كان - ذاك القاتل - عادلاً ، حينما لم يستثنِ اسمي من قائمة المسفوكة دمائهم ، الصاعدة أرواحهم إلى السماء ، بعد أن أدرج اسمك فيها -يا أمي- .


في بلاد أنفقت كل أكفانها على الراحلين قبلنا ، ولم تُبقِ لجسدينا الاثنين كفناً واحداً ، سيلفُّ أبي المسكين جسدكِ بشال عرسكِ والطرحة  ، ويلفّني بِــ " كفولتي البيضاء" ، ونصعد إلى السماء كـــ مَلَاكَيْن طاهِرَيْن .


قبرٌ واحدٌ - يا أمي - سيضمنا ، في بلادٍ باتت تتسوّل أمتاراً من أرضٍ ...للمقابر .



سوريّا .. 
نحن  ذاهبان .. عليكِ السلام يا أمُّ 
عليكِ السلام ، سلامٌ  سيحمل في منقاره  غصون زيتونٍ بعدد أجساد الذين صعدت أرواحهم إلى السماء ، وارتوت أرضك من دمائهم 
سلامٌ يجيء  بعد طول عناء ، وبعد نهر دماء ، وبعد أن نستنفذ الآه في الحناجر ..
.
.
.

سلامٌ عليكِ يا شامُ ، قلبي يبكي عليكِ

ولكن لا ينفعك البُكا ولا النحيب 

أستميحك عذراً ، 

فالأيام دُوال 
كما طلبتِ منا العذرَ يوم كنا "نقتات الكلاب "
فأنا اليوم أفعل ، يوم "اقتاتك الكلاب"
هكذا نحن "العرب"
يا سيدتي ، سيوف من خشب .

.

.
.
عليكِ سلامُ اللهِ .. سوريّا 

الاثنين، سبتمبر 24، 2012

وربما يقتاتني الحنين ...!






قل لكل الأشياء التي أقول لها وداعاً ،أنا لست أقصد أن أتركها ، قل لها أن تصفح لي عن الآلام التي أورثها إياها غيابي ، واطلب منها جميعاً ألا يفكر أحدها أن ينتظر عودتي في المساء ، لأنهم سينامون بجانب النوافذ دون أن آتي ، وانا أخاف عليهم البرد وأصوات الرياح الهائجة في الليالي الموحشة .
وقل لهم ألا ينتظروني على مائدة الطعام بجانب المدفأة ، وأن يعطوا نصيبي لجارنا الفقير في البيت المجاور ، فهو يمتلك زوجةً وابنتين ، سيفرحون بالطعام .
أما أنا .. فسأقتات من غربتي النظر إلى صوركم .
وربما يقتاتني الحنين.

السبت، سبتمبر 08، 2012

إنَّه صَبَاحُ اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ عَامِي التَّاسِعِ عَشَرْ


إنَّه صَبَاحُ اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ عَامِي التَّاسِعِ عَشَرْ
سأتفاءل .. كل ما في هذا الكون يدعونا للتفاؤل
سخّر الله لنا في الكون وفي أنفسنا أشياء لا تُعد تدعونا لأن نبتسم .
الشمس الجميلة ، تنشر أشعتها على الأرض ، تسلّم على الجميع ، إلا من حجز نفسه في الظلام وأبى هو -نفسه- أن يستقبل تلك الأشعة..
سيكون عاماً حافلاً .. أسأل الله- عز وجل- أن يجعل كل ثوانيه في طاعته ومرضاته.

.
.
فكل عام وأنا ذات إنجازٍ وعطاء .

الاثنين، أغسطس 13، 2012

مجهولو المستقبل .. أيضاً.



ستذهب بقدميك إلى ذلك المكان دون أن يجبرك أحد ، حيثُ يعيشون – هم – أو يموتون دون أن يدري مقدارَ الدمع الذي ذرفته قلوبهم أحد ..
ستقف أمام ذلك البيت ، ستَتَسَمّر قدماك عند المدخل ، وتلبث وقتاً تُغري نفسك الفضوليّة أن تعود من حيث أتت ، ولكنها  سترفض .
وستقرأ  بالخط العريض أعلى باب المدخل "مبرّة الرّحمة لرعاية الأطفال " ، وستشعر وقتها أن لاسم المكان بقيّة ، رفض الكاتب أن يكمله لأنه كان "إنسانياً"..
ستكون جريئا ولكن فضوليّاً أكثر وأنت تصعد الدرج ، هناك تستقبلك المُربيّة ، ستقول لك كلاماً قليلاً عن تاريخ المكان ، قبل أن تصحبك إلى شققهم ، حيث يعيشون أو يموتون ... كلاهما سيّان ..
ستستقبلك ابتساماتهم التي لن يؤذيك شيءٌ بقدرها   وإذا نظرت في عينيهم فسينسج خيالك لكلِّ رضيعٍ منهم مستقبلاً لن يقل جحيماً عن الآخر ، خيالُك لن يكون سيئاً أو متشائماً عندما يفعل ذلك ، لأنّ شهادة ميلاد تحمل "الاسم الأول " فقط ،تجبره أن يفكر كذلك ..
وسترى هناك –في الشقة الأولى – أطفالاً ،أكبرهم يحبو على الأرض ، وسيشد انتباهك طفلاً لم يتجاوز الثمانية أشهر ، ستُبحر في عينيه اللتين بلا مرفأ ، الزرقاوتين كنهر النيل ، الواسعتين كالسماء ، البائستين كتمثال حريةٍ على باب قصر الملك ، وستشفق على جماله ، وتود أن لو تحمله بين ذراعيك لتلاعبه وتناغيه ، لكن يداك ستخوناك ،لأن الخدر أصابهم ، فتحبس دمعةً أطلّت من عينك اليمنى ، ولن تسمح لها بالجريان على خدّك ، لأنك تخاف أن تجرح دمعتك مشاعر الرضيع ذي الأشهر الثمانية ، وقتها ستلعن – في نفسك – "أمَّه" ألف مرة ، ولن تتفوه شفتاك باللعنة ، لأنك تخشى أن تسألك عينا الطفل : وماذا تعني كلمة "أم" التي لفظتها ؟!
وتجيب في نفسك : الأم ، مخلوق خلقه الرحمن أبيضاً ناصعاً ، ولكن الشيطان أصاب بعضه فأصبح أسوداً..
وستجد في أسِرّتِهم الصغيرة المُزيّنة بكل شيء ،دمىً قد تبدو الآن في أعينهم جميلة ،هادئة، حنونة، ولكنهم حين يكبرون قليلاً سيلعنونها ، لأنها كانت طوال الوقت تَتَسَمّع عن كثب لأنّات قلوبهم ، وتراهم وهم يغرسون وجوههم في وسائدهم ليسقوها دمعهم ، ولا يختلف اثنان على أن الدمع  قد يكون بلّل بعض الدمى ذات يوم.
لكنهم برغم ذلك لن يمزقوها أو يحطموها ، لأنها كانت ولا تزال خيراً من "صاحبَيّ الخطيئة " ، فهي لم تتركهم أبداً كما فعل ذاك المخلوقان البائسان ...
في الشقة  الأخرى ، سترى أطفالاً أصغرهم تعلّم المشي حديثاً ، ولكنك لن تستطيع أن تلبث هناك إلا دقائق ، لأنّ طفلةً صاحبةِ عامين اثنين أو ثلاثة ، ستترك ألعابها ، وتمشي نحوك ، كأنها كانت تنتظرك ، وتمسك بملابسك وتناديك : بابا .. بابا .
ستنتزع نفسك من كل الأمكنة ..
وتركض للخارج ، لترممَّ حطام نفسك .

* الجمعية التي تأسست عام 1993 تهتم بالأطفال مجهولي النسب


الأربعاء، يونيو 27، 2012

صرخات آية الأخيرة ..





ستصرخ آية صرخاتها الأخيرة وتنام نومة لن تزعج أمها خلالها بكوابيسها التي يتراءى لها فيها أن رجالاً بملابس سوداء يحملونها من جدائل شعرها الخروبيّ المُمَوّج ، ثم يقطعون رأسها بالسكين  ويضحكون بينما دمائها تبلل ملابسهم وسجادة غرفتها الوردية ، نعم لم يغادرها هذا الكابوس منذ أن رأت الرجال ذوي الزي الأسود يقتلون والدها أمام عينيها ..
ولن تستيقظ أمها بعد اليوم فتجدها بلّلت ملابسها وفراشها ، مع أنها لم تكن تفعل ، ولكن صوت القصف المُرَوّع والكوابيس المُرعبة تجبرها أن تفعل.
ستنام آية الليلة دون أن تحتاج أمها أن تعدها بأنّ القصف لن يصل لألعابها وعروستها التي أحضرها أبوها الشهيد،
ودون أن تحتاج أن تحكي لها حكاية ما قبل النوم ، حكاية تختلف عن حكايا سندريلا والأمير وبياض الثلج والأقزام السبعة ، بل حكاية تحكيها أمها عن أبيها ، كيف هو الآن في الجنة البعيدة يأكل وينام بأمن دون خوف من الرجال ذوي الزي الأسود.
ستصرخ آية صرخاتها الأخيرة ، وتسقط بين ركامٍ وعظامٍ ودماء ، وسيصبح لون شعرها الخروبي أرجوانياً ، وبعد أن يتسوّل الصليب الأحمر ساعة وقف إطلاق نار ، ستركض أمها الأرملة كمجنونةٍ تبحث عن بقايا أنفاس في جثة ابنتها الوحيدة ،، تبحث في الجثث ، تُلقي بنفسها على جثة محروقة ..أتراها آية !!لا ، لا ، إنها ليست ابنتي ، ابنتي جميلة ذات خدود وردية ، وخدود هذه سوداء متفحمة ، تهم أن تتركها لتبحث عن طفلتها بين الجثث ، تسقط عينيها على عقد ذهبي يتدلى من رقبتها ، فتنكبّ عليها باكية مُوَلْوِلَة :آية ..إنها آية ....
ستصرخ آية صرخاتها الأخيرة ، تسقط جثتها على الأرض التي مُلئت ظلماً وجوراً وتصعد روحها البريئة إلى السماء الطاهرة العادلة ، يستقبلها على باب الجنة محمد الدرة ، يقول لها بعد الترحيب ، :يا أخت العرب أتراكِ من غزة ؟
ترد عليه : لا ، لست من هناك ، ثم إنني لست أخت العرب ، فالعرب باعوا اخوتهم جميعاً ، باعوهم وقت أن باعوا فلسطين ، ثم هانت عليهم الأوطان كما هان الدين فباعوا بعدا سورية ..
يرد محمد : أي أختي .. تعالي هنا إلى رحاب الجنة ، حيث لا ظلم ولا قهر ، تعالي نطير كعصافير هنا وهناك ..
 الشهيدة الطفلة هاجر الخطيب


الأربعاء، مايو 23، 2012

في مايو الرابع والستين ...



في مايو الرابع والستين بعد مايو نكبة الأرض ، إن الناس لا يعانون من نكبة في الأرض فحسب ! ، إنهم يعانون من نكبة في الدين ، إن الأرض التي سُلبت لا يفتأ الشعراء يتذكرونها ويكتبون لأجل عينيها القصائد في كل ذكرى للنكبة ، ولكن القوم باعوا الدين ونسوه ، ولم يعد أحد يبكي على أطلاله ،باعوه بثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين ، البعض اشترى بثمن الدين غانية وانصرف للرقص ، والبعض الآخر اشترى ديناً مُزيّفاً وانصرف للافتاء ، ديناً يخترع للمرأة تسع وتسعين طريقة لوضع الحجاب ثم يترك شعرها مكشوفاً ، ديناً مكتوب على ظهره (صُنع في بلاد الكفر) وتاريخ الصلاحية يوشي بأن المنتج فاسد..



والقومُ حمقى يريدون العودة للأرض في مسيرة اصطف فيها –شباب الوطن- ، يضع الشاب فيها يده على كتف الفتاة التي تنكش شعرها وتربط الكوفية على خصرها ، انها حتماً تستعد لحفلة راقصة _وطنية_ !!،



ينظمون تضامناً مع أسرى الوطن في الشجون ، يصومون نهارا صيفيا طويلا ، يرجون الله أن يرحم حال أسراهم ، ثم يفطرون على سيجارة !


والقوم من شدة حماقتهم يعتقدون أنهم يسيرون في الطريق الصحيح..


والقوم بعد أربعة وستين عاماً يتهمون الله_عز وجل_ بالظلم ، لأنه لا زال يُؤخّر النصر عنهم ، أو لأنه لم ينزل ملائكة ويذهب هو وإياهم ليقاتلوا اليهود ويستعيدوا القدس ، ثم يدخلوها بسلام آمنين ، هم يسخطون لأن كل ذلك لم يتم بعد ، لكن لا يسخطون لأجل صف واحد لم يكتمل في صلاة الفجر ، لا يسخطون لأجل المئات المترنحين في الطرقات والأسواق بينما خطباء الجمعة يُجهدون حناجرهم ليذكّروهم بالله !


كثيرون دُفنوا في الغربة ، ذاقوا مرارتها وشربوا كؤوس الذل فيها ، لكنهم لم يعطوا الدنيّة في دينهم .. ففازوا


وأكثر منهم ، بقوا في أوطانهم ، باعوها وهم فيها ، باعوا الدين أيضاً .. فخسروا


في مايو الرابع والستين ... الذين سيُخلّصون الأرض من (النكبة)، هم وحدهم الذين لم يتعرض دينهم لـ (نكبة ) ...


أنا أستثني من (القوم) قليلين ، لا أعلمهم بل الله يعلمهم ..



السبت، أبريل 07، 2012

بَلْ يَقْتُلونَهُمْ رَمْيَاً بِالعِرْض




"كيف يقتلون الرجل يا أبي ،ويبقى حيّاً؟" ، سأل مُستغرباً بعد تفكيرٍ تبع نشرة الأخبار.



صمت أبوه بمقدار ما يكفي لحبس دمعة اقتحمت العين فجأة ، أراد أن يبلع ريقه ليجيب ابنه ، ففاجأه الحلق بالجفاف.


تابع الابن:أَرَمْياً بالرصاص ؟ ، ولكن المرميّ بالرصاص لا يبقى حيّاً!


قال أبوه بصوتٍ متقطع : بل رمياً بالعرض !


قال الابن وقد شحب وجهه إذ لامست مسامعه كلمة (العرض) التي اعتاد –وهو الصغير- أنها خط احمر لا يحق لأي كان أن يقترب منه ، قال : لست أفهم دمعتك المحبوسة في مقلتك ، اشرح معاني مفرداتك أكثر .


تنهّد أبوه تنهيدة تشي بمقدار الألم وقال : اسمع ، لو كنت تمشي وأختك في الشارع فعاكسها أحدهم على مرأى ومسمع منك ، هل يؤذيك ذلك ؟


قال: بل يمزقني أن يمس احدهم أختي أو أي عفيفة بنظرة.


نهض أبوه الذي أعياه السؤال ، نظر إلى النافذة ، حدق في السماء ، ليخفي تعابير وجهه عن ابنه ، ثم التفت نحوه وقال بهدوء يغمره حنان أب : أخبرك ، ولكن أخاف على قلبك الصغير يا بنيّ أن ينكسر ، فما سأقصه لك لو قصصته على جبل لتصدّع ألماً.


ردّ ولده الذي ثقفته وسائل الإعلام فأضافت أعماراً إلى عمره : لا تخف على قلبي ، فمنذ ولدت وأنا أتجرع خيبات الإنسانية.


قال أبوه : أرأيت العراق ، كيف اغتصبوها بنو الأصفر على مرأى العالم ...


يا ولدي ..إن بشراً يمتهنون الفساد ويتقاضون عليه راتباً ، يقتحمون بيتاً آمناً إلا من أذاهم ، فيجمعون الرجال ويوثقون قيودهم في زاوية غرفة ما ، بعد أن يُوسعوهم شتماً وضرباً ..


يقاطع الولد مفزوعاً : والنساء ! ، يضربون النساء ؟


يُكمل أبوه : ثم يأتوا بالنساء المهلوعات وعلى مرأى .... – يجهش بالبكاء حتى يعلو صوت النحيب ، بدون أن يمسح دموعه التي بللت لحيته ، يُكمل - .... وعلى مرأى رجالهم المُقيدين ، ينزعون عنهن ملابسهن ، ويغتصبوهن ، فتصرخ الزوجة باسم زوجها والأخت باسم أخيها مُستنجدة ، فيصرخ الرجل المُقيّد ، يحاول فك قيوده لينقذ عرضه من المذبحة ، فيفشل ..


يضع الأب رأسه بين كفّيه ، يجهش بالبكاء مُكرراً " يفشل .. يفشل"


يستأنف : يكرر مراراً محاولته إلى أن يصاب بالجنون وهو يسمع قهقهات رجالك الحكام فوق عرضه الصارخ الباكي ، عرضه الذي عاش يخشى أن تمسه نسمة هواء فتؤذيه ، اليوم يدمره إعصار من انحطاط الحاكم ، وعلى مرآه ..!!!


ثم –يا ولدي- يذبحون بعض النساء أمام رجالهن ، فيدعوا الدماء تبلل ملابسهم ، كي تلاحقهم رائحة الدماء أينما حلّوا .. ، ويأخذن الباقيات إلى حيث لا يعلم بهن أحد .


ولسوء الحظ أنهم يتركون الرجال أحياءً ، قد يسحبوهم إلى السجون ، ليقضوا أيامهم بين مرارة الوحدة وذاكرة تحرق ..


وقد يطلقون سراحهم ، لتقتلهم الذاكرة في اليوم ألف مر ، فيعيشوا العار كلما رنت في آذانهم صرخات عرضهم المذبوح ..


أعلمت كيف يقتلون الرجل ويبقى حياً..


قال الابن : عندما يقتحمون بيتنا .. سأقتل أمي وأختي أولاً ..