الثلاثاء، أغسطس 17، 2010

إلى مسافرة .


كَمَن يرفع ثوباً بالياَ عن جسده  ويقذفه أرضاً مستبدلاً إيّاه بالمعاطف الثقيلة والنظارات السوداء العريضة ، اقتلعتِ الوطن من الذاكرة وقذفتِيه تحت عجلات طائرات ضجّ بها المطار ، ليكون إقلاعها كفيلاً بقتله فلايعود ثانيةَ يركض خلفكِ  في محاكم الضمير يطالبكِ بتعويض قدره "إخلاصٌ"  عمّا أنفقه من عمره في تربيتكِ  وتحمّل ما لا يُطاق من أجل كرامتكِ ...

سيدتي ... لا تصخبي بتلك الملاءات السوداء التي غطت جسدكِ كله إمعاناً في التقوى ، تستطيع العيون أن تكشف ملخص القلب والعقل معاً ، وها انتِ فشلتِ في إخفائهما في جملة ما تخفين ...

أقولها لكِ ، بوجهكِ : ما عدت أحتمل وجودك على صدر هذه الأرض حتّى وأنتِ في معبر المسافرين ، فاحزمي أمتعتكِ واجمعي ذاكرتكِ ، احملي حقائبكِ على كاهلكِ أو على كاهل ضميركِ ، فليس هذ ما يعنيني ..

سيدتي .. عطركِ النسائي الذي غزا ما تحت سمائنا الصغيرة يستفز كل من لم يأتِ إلى المطار مودعاً إياكِ ، وربّما بعض الذين جاؤوا بحكم القرابة أيضاً ، فلملمي كل ذرة هواء تشبعت من عطرك واجمعيها في حقائبك التي ستصبح قريباً في بلاد الله البعيدة ، وإن لم تفعلي فالهواء كفيل بتنقية نفسه منكِ ..

كلّنا ضقنا ذرعاً بكِ إلا هذه الأرض التي تحملكِ والتي شهدت حماقاتكِ التي ارتكبتِها أمام ناظريها منذ جئتِ إليها بقلبٍ تَغَلّب على سماء الربيع في الصفاء - آنذاك - ، إلّاها ما زالت تحنو عليكِ كأمٍ عقّها ولدها ، وما زال في صدرها دعاءٌ تلهج له به كلمّا لامس جبينها الأرض أم لم يلامس ...

أرأيتِ ..! ، ما زالت تحتضن جذور شجرة الزيتون التي حفرتِ اسمكِ على جذعها يوماً ، لم تنفك عن حمل الجدران المعلّقة عليها صوركِ ، لم تقذف ذكرياتكِ وكل ما شهد على مروركِ عليها ، كما انتِ فعلتِ بها حين لم تقيمي لها وزناً وقررتِ المغادرة ، وتركتِ النقوش على الذاكرة هكذا يتيمة ، تسأل : أين أصحابي  ،، فيُجاب : أكلهم الذئب الذي أكل ليلى في حكايانا القديمة .... ، تفعل هذا كله لتبرئتكِ من خصلةٍ أنتِ اخترتها لنفسكِ برحيلكِ هذا ..

هي كذلك تمعن في الوفاء حين يتفانى الآخرون في الخيانة ، أتتخيلين ! ما زالت مصممة على حملك على صدرها حتّى في " قاعة المغادرين" في مثواك الأخير فيها ، ليس أنتِ فحسب ، بل وحقائبك التي جمعتِ فيها كل ما لايستحق الحمل ، فهناك حيث تذهبين يوجد مثل ما حملتِ فيها  ، ما زالت تحنو عليكِ هي تعرف أنكِ تخونين ولكن طبعها لا يرتضي أنّ في الكون شيءٌ يُسمّى العقوق ....

كما قذفتِ هذا الوطن جانباً ، غداً تقذفكِ بلاد الغربة بعدما أن تمتص منكِ شبابكِ وقوتكِ ، وقتها ستعودين إلى هنا ، إلى الأرض التي تركتيها يوماً ، لأنكِ آنذاك ستتذكرين أنّها أمكِ ، وهي لن يكون بوسعها إلا احتضانك مرة أخرى رغم عقوقكِ الذي عققته ، لأنها أمنا فلن ترفضكِ حين تعودين ...


تعليق ...

"إلى مسافرة " .. كلمات إلى فتاة أعرفها ستترك المدينة - مدينتنا - لأنها ستتزوج في الخارج ..
قد يقول البعض أنني بالغت في توبيخها ولكني أشعر بقشعريرة عندما أعلم أن أحداً ما سيترك هذه الأرض للأبد ، ويستقر في الخارج ..

هناك 4 تعليقات:

أم أنس يقول...

يعطيك العافية أختي
بارك الله فيك ولكن..شديدة انت عليهم ربما تكون الظروف أقوى منهم،،صحيح اننا لا نحب بل نكره الخروج من وطننا ولكن لانستطيع ان نشكل غيرنا كما نريد،
صحيح ان الهجرة الدائمة عن أرضنا حرام كما أفتى العلماء ولكن من المؤكد ان نوايا الناس ليست كلها واحدة لا تنظري بمنظار واحد لكل الناس ولا تعامليهم معاملة واحدة ولا تعتقدي يوماص ان كل الناس سيفكرون تفكيرك او ستستطيعين اقناعهم بما تحملين من افكار.

hend anwar يقول...

ادعيلها بالتوفيق

ورمضان كريم عليكى
ويارب تكونوا باحسن حال

هدى التوابتي يقول...

السلام عليكم ورحمة الله...لا أدري ماأقول ياأختي العزيزة..ولكن ألتمسي لها الأعذار واطلبي من الله أن يهديها ويوفقها،كلماتك نابعة من حبك الشديد لأرضك،ووطنك،ولا ألومك على هذا،فأرضك الآن هي أرض الأحرار على الأرض...أطلبي من الله أن يجعلها من جنود وطنك حيث تذهب..عسى أن ينفع الله بها..وفقك الله وأياكي ياعزيزتي...

حياتى نغم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ألتمس لكِ العذر فى غضبك وتحاملك على تلك المسافرة ، وأحترم حبك وغيرتك على وطنك وأرضك وأبناء وطنك وأرضك ..

ولكن ليس من الضرورى ان تكون نيتهم فى سفرهم هذا سيئة فأرض الله واسعة والهجرة والجهاد فى سبيل الله فى هذه الحياة ليست مرتبطة بمكان أو زمان .

والله معكِ يعينك ويرعاكِ ويخفف عنكِ ويصلح كل أحوالك آمين .

أحبكِ الله الذى أحببتنى فيه حبيبتى وأختى فى الله بارك الله فيكِ .

لكم منا كل الحب والاحترام .