الاثنين، أغسطس 13، 2012

مجهولو المستقبل .. أيضاً.



ستذهب بقدميك إلى ذلك المكان دون أن يجبرك أحد ، حيثُ يعيشون – هم – أو يموتون دون أن يدري مقدارَ الدمع الذي ذرفته قلوبهم أحد ..
ستقف أمام ذلك البيت ، ستَتَسَمّر قدماك عند المدخل ، وتلبث وقتاً تُغري نفسك الفضوليّة أن تعود من حيث أتت ، ولكنها  سترفض .
وستقرأ  بالخط العريض أعلى باب المدخل "مبرّة الرّحمة لرعاية الأطفال " ، وستشعر وقتها أن لاسم المكان بقيّة ، رفض الكاتب أن يكمله لأنه كان "إنسانياً"..
ستكون جريئا ولكن فضوليّاً أكثر وأنت تصعد الدرج ، هناك تستقبلك المُربيّة ، ستقول لك كلاماً قليلاً عن تاريخ المكان ، قبل أن تصحبك إلى شققهم ، حيث يعيشون أو يموتون ... كلاهما سيّان ..
ستستقبلك ابتساماتهم التي لن يؤذيك شيءٌ بقدرها   وإذا نظرت في عينيهم فسينسج خيالك لكلِّ رضيعٍ منهم مستقبلاً لن يقل جحيماً عن الآخر ، خيالُك لن يكون سيئاً أو متشائماً عندما يفعل ذلك ، لأنّ شهادة ميلاد تحمل "الاسم الأول " فقط ،تجبره أن يفكر كذلك ..
وسترى هناك –في الشقة الأولى – أطفالاً ،أكبرهم يحبو على الأرض ، وسيشد انتباهك طفلاً لم يتجاوز الثمانية أشهر ، ستُبحر في عينيه اللتين بلا مرفأ ، الزرقاوتين كنهر النيل ، الواسعتين كالسماء ، البائستين كتمثال حريةٍ على باب قصر الملك ، وستشفق على جماله ، وتود أن لو تحمله بين ذراعيك لتلاعبه وتناغيه ، لكن يداك ستخوناك ،لأن الخدر أصابهم ، فتحبس دمعةً أطلّت من عينك اليمنى ، ولن تسمح لها بالجريان على خدّك ، لأنك تخاف أن تجرح دمعتك مشاعر الرضيع ذي الأشهر الثمانية ، وقتها ستلعن – في نفسك – "أمَّه" ألف مرة ، ولن تتفوه شفتاك باللعنة ، لأنك تخشى أن تسألك عينا الطفل : وماذا تعني كلمة "أم" التي لفظتها ؟!
وتجيب في نفسك : الأم ، مخلوق خلقه الرحمن أبيضاً ناصعاً ، ولكن الشيطان أصاب بعضه فأصبح أسوداً..
وستجد في أسِرّتِهم الصغيرة المُزيّنة بكل شيء ،دمىً قد تبدو الآن في أعينهم جميلة ،هادئة، حنونة، ولكنهم حين يكبرون قليلاً سيلعنونها ، لأنها كانت طوال الوقت تَتَسَمّع عن كثب لأنّات قلوبهم ، وتراهم وهم يغرسون وجوههم في وسائدهم ليسقوها دمعهم ، ولا يختلف اثنان على أن الدمع  قد يكون بلّل بعض الدمى ذات يوم.
لكنهم برغم ذلك لن يمزقوها أو يحطموها ، لأنها كانت ولا تزال خيراً من "صاحبَيّ الخطيئة " ، فهي لم تتركهم أبداً كما فعل ذاك المخلوقان البائسان ...
في الشقة  الأخرى ، سترى أطفالاً أصغرهم تعلّم المشي حديثاً ، ولكنك لن تستطيع أن تلبث هناك إلا دقائق ، لأنّ طفلةً صاحبةِ عامين اثنين أو ثلاثة ، ستترك ألعابها ، وتمشي نحوك ، كأنها كانت تنتظرك ، وتمسك بملابسك وتناديك : بابا .. بابا .
ستنتزع نفسك من كل الأمكنة ..
وتركض للخارج ، لترممَّ حطام نفسك .

* الجمعية التي تأسست عام 1993 تهتم بالأطفال مجهولي النسب