الثلاثاء، ديسمبر 27، 2011

الذاكرة تصارع شبح النسيان..


وفاءً للذكرى التي تخشى شبح النسيان..
وفاءً للألم الذي مازال ينخر في العظم نخراً ..
وفاءً للدماء القانية التي قطعت على نفسها عهداً ألّا تجف ..
وفاءً للآه التي كُتمت في الحناجر.. احتفاظاً بالنفس للوجع  ..
وفاءً للدمع الذي اتخذ على الخد مجرى ..
وفاءً لكل من كان هنا وقت الفاجعة كان عليّ أن أكتب ..

أكتب عن الفراق .أقسى ما تركته الحرب  خلفها ..

اليوم سيجلس من تبقى من أطفال (السموني) في حلقة مستديرة  في إحدى الغرف التي  أبقاها الجنود قائمة ليساعدوا الذاكرة على تعذيب هؤلاء ،سيصمتون كثيراً قبل أن تبدأ منى بسرد القصة : "كنت مع إخوتي بالقرب من أبي حينما جاؤوا الجنود،كانت أمي تعد لنا آخر ما تبقى من طعام في البيت ..اقتحموا البيت ..كسروا بابه ،-تشير إلى الخارج -من هنا جاؤوا مُصوبين السلاح نحونا ، أطلقوا النار  على الجميع بشكل عشوائي ..لم يأبهوا لصراخنا  ..حمقى رصاصاتهم التي أصابت كل من حولي وأخطأتني "،وتصْمت ..

سيأخذ أحمد دوره في الحديث : حبسونا في غرفة واحدة لعشرة أيام قالوا لنا :"لا تخرجوا حتى نأذن لكم" ،أخذوا الرجال جميعا وتركونا والنساء اللواتي أخطأهن الرصاص في الاقتحام الأول ، في غرفة معزولة..نفذ الماء ..كان علينا ان نملأ من دموعنا أكواباً ونشرب ..
ولكن صوت الجنود يسخرون من صراخ آبائنا حين يطلقون عليهم الرصاص جفّف الدمع في مآقينا ..
سيصمت أحمد هو الآخر ليسبح مع منى حيث سبحت ،،يكملون القصة مع أنفسهم ..كي يصلوا إلى قمة الألم وحدهم دون أن يشاركهم أحد .. 

ايمان التي لبست اليوم قميصها المخضب بدماء والدتها وشقيقتيها والذي ترفض غسله ،لن تتفوه بكلمة واحدة، ستترك المجال للقميص كي يتحدث وحده ..
بعد قليل ينهضون ، يقطفون الورد الأبيض من أرض تحدت العقم وأنجبت زهرا ..ويتوجهون إلى مقبرة العائلة ، يضعون الزهر بجانب القبر ، ويحكون للشهداء قصة الحياة المريرة بعدهم ..

اليوم سيتذكر خليل أن يوما ما كان له أقدام وأيدٍ، وسيتذكر كيف استيقظ فوجد أنه يمتلك نصف جسد وأودع أهله النصف الثاني على مرآه التراب ،" هل يكون التراب أميناً عليهم !"، سيبكي والدمع المالح سيعذب خديه لأنه لن يستطيع أن يمسح دمعه ..
اليوم نتذكر كيف صرخنا ..وصرخنا ثم صمتنا ، لأننا لم ننل من الصراخ نجدة ، فقط بُحّ صوتنا ..!
سنتذوق مرارة عقوق الأخوة ..ولكن لن نقف هنا كثيراً ..ربما لأن الحرب علّمتنا أن لا أخ لنا في النائبات ..

فقط كنت أريد أن أساعد في تخليد الذكرى ،كي انام اليوم مطمئنة،هي أمانة قد أديتها هنا
أعتذر لك يا نفسي لأنني لم أبح هنا بكل ما اشتهيتِ أن يُكتب 
ولكن هذا ما استطعت أن أكتبه



هنا كتبت سجود في الذكرى الثالثة للحرب على غزة