الأربعاء، مارس 02، 2011

صراع الحق والباطل ..

صراعُ الحقّ والباطل...

مُلثَم الوجه ، عاري الصدر ، خرج من عند أمه التي خشيت ان تمنعه فتكون بذلك قد عصت الله ، وهي أيضاً مشتاقة لشمس تنشر أشعتها على طرق بلدتها بفخر ، لا بتوارٍ وخجل ، الأمر الذي لن يصنعه إلا ابنها وأمثاله ، صراع الامومة والوطن ، وينتصر الوطن ....
يخرج من بين أخواته اللاتي جاء إلى الدنيا فوجدنهن ينتظرنه ، فرحات بمجيء أخيهم الأول ، بسند ومعين المستقبل ، رقبنه يكبر يوما بعد يوم ، صار شاباً بمنكبين عريضين تتناسب مع تلك الأمنيات التي علقتها أخواته عليها ، غدا سندهم في الزمن الصعب ، وقريباً لشدة فرحتهن به سيبحثن له عن عروس ..


مُلثّم الوجه ، عاري الصدر ، أعزل إلا من حماية ملائكة الرحمن ، جاءت تحفه استجابةً لدعوات أمه المبتلة بالدموع ، ودعوات التراب أيضاً ، دعوات كل ذرة في الكون ...


الباطل منتفش يبدو فوق الأرض عظيماً هائلاً ، إنه يغطي الشمس وقطع من وجه السماء الشاحب ، وله أتباعٌ كُثُر ، وأعيان كثر ، لكن لا جذور في الأرض ...


تتهادى خطواته على التراب الذي يلثم قدميه ، بعض حجارة في الكف ، وكثير من اليقين في القلب ، لم يعد ملثماً واحداً ... صاروا ملثمون وصدور عارية ، ووجوه عارية وصدور عارية ، كل الأشياء هنا موهوبة للردى :"تعال أيها الموت ، مستعدون نحن ، رغم أننا ما زلنا صغارا عظمنا هشّ ."


الباطل يغتاظ من ذلك المنظر ..


صوت المؤذن حَذِراً يصيح بالنداء ما بين الغناء أو البكاء ، يؤمهم رجل منهم مُلتحٍ ، يتلو سورة الفتح في الركعة الثانية ، ويسير من سورة الأنفال في الركعة الأولى ، بعد التسليمة الثانية كانوا قد اتفقوا على المسير دون أن يتحاوروا ، هكذا هي الصلاة ، تستطيع أن تجمع الجميع على كلمة دون كلام ..


الباطل يزداد غيظه ، يبدو أنهم اتفقوا في صلاتهم عليه ، الباطل يستشيط غضباً ..فيُصعّد هجماته ..


الأرض العطشى للدماء وللحرية بدأت ترتوي ..


حجارة ومدافع ، مقلاع وطائرات ، صدور عارية ومصفحات ، تكبيرة من حناجرهم وأصوات قصف البوارج ..


صاحبنا .. مثلهم ، يقاوم تارةً ويحمل مع آخرين جرحاهم ، ثم يعود ، يتحد صوته مع أصواتهم لتشكل سيمفونية رائعة ، تهتف بالخلود للشهيد ، التكبيرات وحدها ترتفع كلما سقط ليرتقي أحدهم ...


الباطل يتقهقر فهو المنتفش يضعف أمام أصحاب الجذور الضاربة في الأرض ، والفروع الممتدة في السماء ، الباطل يتراجع والملثمون يتقدمون ، الملثمون يريدون أمرا أكبر من تراجعه ...الباطل يرى أن نهايته تقترب ، يرى أن الزوال قاب قوسين أو أدنى ، فيُخرج ما تبقى من جبروته دفعةً واحدةً ،أملا ً بالبقاء أكثر ، فتزداد أعداد الصاعدين إلى السماء بطريق لا تضيق بهم مهما كثروا ،وأعداد الجرحى أيضاً تزداد ، بل تعد بالآلاف ....تتنهد الأرض بارتياح ، إنها الظمأى ، تشرب الآن .. بقي قليل لتصل إلى الارتواء .


يشد اللثام عن وجهه ، يربطه على جرحه النازف ، يتقدم مع المتقدمين ، الآن خيوط الشمس تداعب عينيه المنهكتين .. تتوارى الشمس خلف سحاب قادم ببطء كعجوز حكيم ، صاحبنا يتقدم ، يقذف ما بيده من حجارة وما في قلبه من داء ، ويتقدّم ، وهناك في البيت في قلب المدينة ، دعوات أمه وأخواته اللاتي ينتظرنه أيضاً.


السحاب المُثقل يتوسط السماء كأنه سيد الموقف ، تتعالى التكبيرات ، تُمطر السحب أو تبكي ، يتعالى الهتاف ، تزيد السحب من عطاياها أو من دمعها ، يحملونه على الأكتاف ، يشقون طريق الموت المحفوف بالرصاص والغدر ، الصوت واحد مع النحيب " لا إله ألا الله .. والشهيد حبيب الله " ، يتوقف السحاب قليلاً ليستمع إلى أنشودة الثورة التي تطلقها حناجرهم ، يُمعن السمع فيستمع لصاحبنا ينطق بالشهادتين لآخر مرة ووصية للأرض ، يحدّق ليده المُحنَّاة بالدماء ، فيلحظ أصبع السبابة واقفاً كما كان صاحبه دائماً..



يعلو " لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله " ، يستأنف السحاب منح عطاياه او دموعه ، ليُشكّل لوحة فنية ستتكرر كثيراً ...


صاحبنا .. فلسطيني ، مصري ، ليبي ، تونسي ، وغداً بحريني ويمني وجزائري ، والبقية تأتي ...


اهداء إلى كل أرواح شهداء الثورة العربية المباركة ..





سجل

انا عربي
ورقم بطاقتي خمسون الف


.....................


عمر المختار: "لئن كسر المدفع سيفى فلن يكسر الباطل حقي"